وجوده وحياته، ومختلف حالاته، وفي كافة شؤونه وعلاقاته، ويواكبه في حركته نحو الأهداف الإنسانية والإلهية: (يا أيها الإنسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) (1). ويفرض عليه أن يلتزم بضوابط محددة، لأنه يريد من خلال ذلك كله أن ينشئه بصورة متوازنة ومتكاملة، تنشئة خاصة، تؤهله للإضطلاع بدوره الكبير والخطير، وتتوازن وتتكامل مع كل ما سخره الله للإنسان ليفجر من خلاله - وبالإيحاء الصحيح - روافد الحياة في هذا الكون الفسيح، فيشرع له في جميع ميادين الحياة ما يعينه على السير في هذه الطريق.
ولأجل ذلك نجده يتدخل حتى في أفكاره ونواياه، ويلاحقه حتى في خياله الرحب، بل حتى في خطرات قلبه وأوهامه، فضلا عن طموحاته وأحلامه..
فهو يريد منه أن يكون عطوفا رحيما في موضع، وقاسيا وحازما بل وغليظا (وليجدوا فيكم غلظة) في موضع آخر. ثم هو يريده أن يحب تارة، وأن يبغض أخرى، وأن يتراجع في موضع، وأن يكون شجاعا مقداما في موضع آخر، وأن ينطلق في خياله في حالة، وأن يمحو حتى الصورة التي كان حضورها عفويا في حالة أخرى، إنه يريد أن يرافق الإنسان في كل موقع، وفي كل مجال، وأن يكون هو القائد والرائد وله كلمة الفصل، في كل صغيرة وكبيرة من قضاياه.
ومن جهة أخرى، إنه تعالى حين سخر هذا الكون كله لخدمة هذا الإنسان، ليستعين بما أودعه الله فيه على تحقيق أهدافه، وأراد له أن يعمر الأرض، فإنما أراد أن يتم ذلك من خلال شخصيته الإنسانية التي نمت وتكاملت وتتكامل بعين الله ورعايته وتربيته.
وأراد أيضا لهذا التسخير أن ينبسط على مساحات شاسعة على هذا الكون الفسيح من موقع الهيمنة على نواميسه وتفعيلها إيجابيا في نطاق إعماره، واستكناه الكثير من أسراره..
على أن يتم ذلك كله من موقع الرعاية الإلهية المتمثلة بمقام الإمامة والنبوة التي تقف في موقع الرصد الدقيق، والمعرفة الواعية، والهادية، والقادرة على التدخل الحقيقي حيث تمس الحاجة إلى ذلك..