فهل تسمع دعواه وبينته للتسجيل قبل ادعاء الخصم؟ لا أعرف لأصحابنا نصا في ذلك، ومنع أكثر الجمهور منه، إذ لا بينة إلا على الخصم، فطريقة أن ينصب لنفسه خصما، والأقرب عندي سماع بينته لفائدة التسجيل 1. وقال في بحث القضاء على الغائب منه: ولابد أن يكون معه - أي مع المدعي على الغائب - بينة، ويدعي جحود الغائب، فلو أقر أنه معترف، لم تسمع بينته إلا لأخذ المال، ولو لم يتعرض لجحوده احتمل السماع وعدمه، ولو اشترى شيئا فخرج مستحقا والبائع غائب، سمعت بينته وإن لم يدع الجحود 2. انتهى.
أقول: مرادهم من السماع الذي اختلفوا فيه ليس مجرد الإصغاء إلى إخبار البينة، لأنه جائز البتة في كل حال للأصل.
بل المراد: إما إجابة مريد إقامتها لترتب الأثر أو أصل ترتب الأثر، أي ثبوت المشهود به، أو تعلق الأثر بالمشهود عليه، أي جواز الحكم بمقتضى شهادتهم عليه ونفوذ الحكم عليه.
فإن كان مرادهم ترتب الأثر وثبوت المشهود به، فيمكن أن يكون الاختلاف في السماع وعدمه باعتبار الاختلاف في أصالة اعتبار شهادة العدلين وعدمها، فمن يقول بالسماع فبناؤه على الأصالة، فيثبت المشهود به، وإن توقف الحكم بمقتضاها ونفوذه على النزاع. ومن يقول بعدمه فبناؤه على أصالة عدم الاعتبار، فلا تسمع إلا فيما ثبت اعتبارها فيه. ولم يثبت في بينة الداخل ولا بينة من يعترف من عنده الحق له.
ويمكن أن يكون بناء الكل على أصالة الاعتبار، ولكن من يقول بعدم السماع، فلأجل خروج بينة الداخل ومن لا يجحد خصمه بالدليل. ومن يقول بالسماع، فيقول بأن أدلة عدم سماع بينة الداخل وغير الجاحد خصمه لا تفيد أزيد من عدم جواز الحكم بهذا الثبوت لعدم التوقيف.