والتحقيق: أنه مركب من المقيد والقيد، فيشترط فيه تحقق الامرين، أي كونه عصيرا ومغليا، فبانتفاء أحدهما ينتفي الموضوع، فإنه لا شك أنه ليس الدبس حين الدبسية عصيرا مغليا إلا بالتجوز باسم ما كان.
والتوهم إنما ينشأ من أمرين:
أحدهما: صحة قوله: العصير إذا غلى - سواء بقي على العصيرية أم صار دبسا - فهو حرام، فيتوهم أن قوله: العصير إذا غلى، مطلق أو عام يشمل الامرين.
وثانيهما: نحو قوله: الكلب إذا صار ملحا فهو طاهر، فإنه لم تبق الكلبية مع صحة الكلام وبقاء الحكم الذي هو الطهارة.
ويظهر فساد الأول: بأن المفروض أن الدبس ليس عصيرا، فكيف يكون فردا من العصير؟ ولو قلت: إنه أيضا عصير لغة، يخرج عن المفروض.
وأما صحة التصريح بالتعميم، فإنما هو باعتبار حصول تجوز في الكلام بقرينة ذلك التصريح، وذلك مثل قوله: الكلب الذي صار ملحا فهو طاهر، فإنه لا شك أنه بعد الصيرورة ليس كلبا، والتسمية تجوز باعتبار ما كان، والقرينة عليه قوله:
صار ملحا، فكذا في قوله: والعصير إذا غلى، سواء بقي على العصيرية أم لا، فالتعميم قرينة عموم المجاز.
وفساد الثاني: بأن قوله: الكلب إذا صار ملحا فهو طاهر، معناه أنه بعد صيرورته ملحا يطهر، فليس الحكم الطهارة الفعلية حال التكلم، فإن قوله: إذا صار، بتأويل المستقبل، فالحكم ليس الطهارة.
نعم إذا قال: الكلب الذي صار ملحا فهو طاهر، فالحكم الطهارة الفعلية، والموضوع الكلب المجازي دون الحقيقي قطعا; لامتناع بقاء الكلبية بعد الصيرورة ملحا.