ومن لم يقبل يستحق العقاب والمؤاخذة إلا مع ضم ما يفيد ظن التزوير، أو الفحص عن تحصيل العلم مع إمكانه. ويعد في العرف ممتثلها مطيعا، والراد لها عاصيا مخالفا.
وهؤلاء التجار بناؤهم وعادتهم في المعاشرات والمعاملات على الأخبار القولية والكتبية، وهكذا الأصدقاء والأحباب، بل على ذلك جرت عادة أهل كل علم وعمل.
هذه كتب المنجمين مشحونة بالإخبار عما استنبطه واحد بواسطة الإرصاد أو التجارب; وتلك كتب الأطباء مملوءة من الإخبار عن الطبائع والتجربيات; وتلك كتب اللغة مشتملة على الإخبار عن الأوضاع اللغوية; وكذا كتب علوم الأدب متضمنة للإخبار عن القواعد الأدبية.
وبالجملة: هذه طريقة مستمرة وعادة مستقرة بين الناس، عليها بناء الإطاعة والعصيان، بحيث يعلمها كل أحد.
انظر إلى أنه لو جاء ثقة إلى عبد من مولاه بأمر أمره به، فلم يلتفت إليه ولم ينهض إما للامتثال أو لتحصيل العلم، يذمه العقلاء، ويحكمون باستحقاقه العقاب، سيما إذا انضم معه ثقة آخر، أو كتاب من المولى.
بل يعلم قطعا: أن جميع الأنبياء المبعوثين إلى العباد، كانوا جارين على ذلك المنوال، فيأمرون أممهم بواسطة المخبرين الثقات، وكذا أوصياؤهم، كما عليه جرت عادة الحكام وأولوا الأحكام. وليست عادتهم في ذلك بأدون من عادتهم في استخراج المعاني من الألفاظ بأصل الحقيقة، وأصل عدم القرينة، وعدم النقل، ونحو ذلك.
بل ليس علمنا بجريان عادتهم على ذلك بأدون من علمنا بكثير من البلاد النائية والقرون الخالية، ومن كوننا مكلفين بأحكام غير ما علم ضرورة من الشريعة، بل التشكيك في ذلك كالتشكيك في مقابلة البديهة.
فإن قيل: نحن نسلم ذلك، ولكن المعلوم لنا من عادة الناس وطريقتهم: