وصلت إلينا مع بعد العهد وطول الزمان، وتوفر الدواعي على الإخفاء والكتمان.
وصرفوا عمرهم في تصحيحه من حيث اللفظ تارة ومن حيث المعنى أخرى، حتى وضعوا كتبا في بيان معاني الأخبار، ووضعوا مؤلفات في توضيح أحاديث الأئمة الأطهار. ومن حيث الإسناد ثالثة، حتى اجتهدوا في ضبط أسانيدها، وبحثوا عن حال رواتها، وميزوا العدل من المجروح والثقة من الضعيف، وصنفوا كتبا - مختصرة ومطولة - في بيان أحوال الرجال وصفاتهم.
وأيضا ما وجدنا كتاب فقيه أو رسالة منه يشتمل على مسألة من الفروع من الصدر الأول إلى هذا الزمان، إلا وقد استدل فيه بخبر أو أخبار. وما رأينا مصنفا من مصنفات عالم في الأحكام من أول الأمر إلى يومنا هذا، إلا تمسك فيه بهذه الروايات. ولم يختص ذلك بوقت دون وقت، ولم ينحصر في زمان دون زمان، ولم يقتصروا في ذلك على باب مخصوص من أبواب الفقه، ولا مسألة مخصوصة من مسائله.
ولا يتوهم أن المانعين من العمل بالآحاد - كالسيد ومن اقتفى أثره - لا يعملون بها، فإن منعهم إنما هو من العمل بالآحاد من حيث هي آحاد، أي إذا لم ينضم معها قرينة، ويدعون أن أكثر أخبارنا مضمومة مع قرائن مفيدة للعلم.
ألا ترى كتبهم مشحونة بالاستدلال بالأخبار، فهم مانعون من العمل بالأخبار الغير المعلومة صحتها، لا (1) بتلك الأخبار المدونة في كتب أصحابنا، بل يعملون بها، ويرون حجيتها، قائلين بكونها مقطوعة.
ألا ترى أنه قال السيد في جواب المسائل التباينات: إن أكثر أخبارنا المروية في كتبنا مقطوع على صحتها، إما بالتواتر، أو بأمارة وعلامة دلت على صدق رواتها وصحتها، فهي موجبة للعلم، مقتضية للقطع وإن وجدناها مودعة