مع أنه لو سلمنا دلالة الآيات الثلاث على الحرمة، لدلت على حرمة اتباع الظن، وهو الحالة النفسانية المسماة برجحان أحد الطرفين، وحرمة اتباعه لا تدل على حرمة اتباع الخبر الذي هو قول أصلا، وشتان ما بينهما.
ألا ترى أنه يصح أن يقال: لا يجوز للقاضي اتباع ظنه في المرافعات، ويجب عليه العمل بقول الشاهد، فإن الظن أمر والخبر أمر آخر.
نعم قد يحصل منه الظن، وحينئذ يكون هو سببا لحصوله.
نعم لو كان ينهى عن اتباع مطلق ما يفيد الظن أو كل ما يفيده، لجاز أن يقال بشموله للخبر، ولكن النهي إنما هو عن اتباع الظن، فيمكن أن يكون اتباع بعض ما يفيده حجة لخصوصيته، أو خصوصية بانضمام إفادته الظن، أي يتبع الأمران، فيمكن أن لا يجوز اتباع الظن، ويجوز اتباع القول، أو اتباع الظن والقول معا، لا من حيث إنه ظن، بل من حيث إنه خبر مثلا، أو خبر وظن معا.
فإن قيل: الكتاب وإن لم يدل على حرمة العمل بالخبر، إلا أن الأخبار المانعة عن العمل بما ليس بعلم تدل على حرمة العمل بالخبر. وهي وإن لم يثبت حجيتها بعد، إلا أنه يمكن جعل الاستدلال بها قطعيا، بأن يقال: لو جاز العمل بالخبر لجاز العمل بهذه الأخبار، ولو جاز العمل بها لم يجز العمل بخبر، كلما كان كذلك فهو باطل قطعا، نظير ما قلناه في نفي حجية مطلق الظن.
قلنا أولا: إن هذا إنما يتم لو كان المراد هنا (1) جواز العمل بكل خبر، وليس كذلك، بل المراد جواز العمل بالخبر في الجملة، ولا شك أنه لا يلزم من جواز العمل بالخبر في الجملة جواز العمل بهذه الأخبار المانعة.
وثانيا: إنا سلمنا أن المراد إثبات جواز العمل بكل خبر، ولكن المراد العمل بكل خبر لم يكن مانع من العمل به.
ومن الموانع المعارض ضرورة امتناع العمل بالمتعارضين، وامتناع ترجيح