إذ القصر والإتمام مما له مدخلية في ماهية العبادة، وبذلك يتميز بعضها عن بعض، والتشبث بالأصول السابقة، بعد ما حققناها في المباحث السابقة لا يخفى ما فيه، فالمتجه إذن وجوب الاعتبار، لأنه مما لا يتم الواجب إلا به.
وليس لأحد أن يقول: إن التقصير واجب مشروط فلا يجب مقدمته.
لأ نا نقول: الواجب حينئذ هو تحصيل البراءة لا التقصير، سلمنا لكنه مشروط بالمسافة، لا بسبق العلم به.
وعلى القول بعدم الوجوب فيصح ما صلى ولا يجب عليه الإعادة إذا ظهر كونها مسافة معتبرة، لأن الأمر يقتضي الاجزاء.
وأما لو دخل الوقت ولما يصل ومضى من الوقت بمقدار الصلاة فيقصر، ولا يجري فيه الخلاف الآتي في أن العبرة بحال الأداء أو الوجوب كما صرح به في روض الجنان (1)، إذ ذلك كاشف عن تكليفه بالقصر في نفس الأمر، فتأمل جدا.
ثم هل يعتبر في ذلك كون الباقي بمقدار المسافة المعتبرة؟ أم يكفي كون المجموع كذلك؟ حكم الشهيدان (2) وجملة من المتأخرين بعدم الاعتبار.
ويشكل ذلك بعدم ثبوت القصد إلى المسافة المعتبرة في التقصير كما في الهائم وطالب الآبق والغريم.
وضعفه الشهيد الثاني (رحمه الله) في روض الجنان بأن المقصد معلوم، وإنما المجهول قدره فإذا علم في الأثناء كشف عن كونه قد قصد المسافة ابتداء، فثبت القصر حينئذ مع بلوغ الجميع، وإن قصر الباقي عن مسافة (3).
ويشكل ذلك بأنه لا فرق بينهما، إذ طالب الآبق أيضا مقصده معلوم، وهو الوصول إلى الآبق، فإذا وصل إلى الآبق وظهر أنه بلغ المسافة، فيكشف له أنه قصد المسافة، إذ لا فرق بين أن يكون المقصود المكان بالتبعية للمتمكن