وفي إطلاق القول بذلك تأمل. نعم لو كان البلد وطنه، أو أراد الإقامة فيه فهو كذلك. اللهم إلا أن يقال: إن مرادهم هو إذا لم يكن ذا قصد، بأن يكون ذاهلا أو مترددا، فلم يكن مقصوده طي مسافة معتبرة أصلا. وبالجملة: فمع التأمل فيما ذكرنا سابقا يسهل استخراج هذه الأحكام.
الخامس: لو تردد يوما في ثلاثة فراسخ فإن بلغ في الرجوع إلى ما يسمع الأذان ونحوه فيتم إجماعا، وبدونه فقد نقل عن الأكثر أيضا التمام، وقد استدل على ذلك في التذكرة بأنه ينقطع سفره وإلا لزم القصر لو تردد في فرسخ واحد ثماني مرات وأزيد (1)، وقد يستدل أيضا بأن الأصل الإتمام خرج ما خرج بالدليل، وهو ما تقدم، وبقي الباقي.
وفي بطلان اللازم في الدليل الأول تأمل، وكذا لا يخلو الدليل الثاني عن شوب الإشكال، اللهم إلا أن يقال: المسافة شرط في التقصير جزما، والذي تثبت شرطيته هو قصد الثمانية، أو الأربعة المرادة فيها الرجوع، وليس ذلك من واحد منهما، فلم يثبت التقصير، بل ولا يجوز له، لعدم تحقق الشرط، وإذا انتفى التقصير فيثبت التمام، إذ التكليف باق جزما، والقول بالجمع غير موجود، وخرق الاجماع غير جائز، والمسألة محل الاحتياط.
السادس: ذكر جماعة من الأصحاب أن ابتداء التقدير لابد أن يكون من آخر العمارة في البلد المعتدل، ومن آخر محلته في البلد المتسع جدا. وقيل: لا يبعد أن يكون مبدأ التقدير مبدأ سيره بقصد السفر.
السابع: لو جهل بكون المسافة التي يقصد نهايته بالغا بقدر المقدر ولم يكن هناك بينة فلا يجب عليه التقصير ويتم، ولعل ذلك في الجملة مما لا خلاف فيه.
وأما أنه هل يتقيد هذا الحكم بما إذا تعذر عليه الاعتبار أولا؟ فيه وجهان: من جهة أصالة التمام، وأصالة عدم تحقق شرط القصر، وأصالة البراءة عن التكليف بالاعتبار والتقدير. ومن توقف اليقين بالبراءة عما اشتغل به ذمته يقينا وهو الصلاة