ومن المعلوم أنه لا يقال: إن الخصلتين الأخيرتين خرجتا عن تحت قدرته وانحصر الواجب في الباقي، فالمذمة والعقاب عليه لا غير.
قلت: ما ذكرت إنما يصح لو كان الفائت الواجب المخير من حيث إنه الواجب المخير، وهو بمعزل عما نحن فيه.
وتحقيق ذلك أن الشارع أوجب علينا في أول الظهر - حال كوننا في السفر مثلا - صلاة الظهر، وخيرنا بين فردين مقيدين بأمرين، يتعين وجوب كل منهما بتحقق أحد الأمرين.
ففي الحقيقة خيرنا بين اختيار موجبي التعيين في الفردين، ولم يخيرنا بين الفردين على الإطلاق، فيكون بحيث كلما فات فات المطلق المخير في إيجاده في ضمن أي فرد شئنا، والمفروض أن تقييد الفردين بالأمرين وتعينهما بتحققهما أيضا من جعل الشارع وتقديره، فليس في اختيار أحدهما ليتعين الفرد المتعلق به تعلق ذم للمكلف.
فمفاد ذلك سقوط الفرد الآخر وتعين ذلك الفرد بمجرد اختيار الأمر الموجب له بتجويز الشارع ورضاه، فانسلخ وجوب الآخر بالكلية ما دام المكلف متلبسا بذلك الأمر الموجب.
فانحصر التكليف ما دام متلبسا به في هذا الفرد الذي أوجبه ذلك الأمر، فإذا تكاسل أو نسي وترك ذلك الفرد فالذي فات من المكلف هو ذلك الفرد لا غير، لأن الفائت معناه مطلوب الشارع الذي ترك، والمطلوب حينئذ منحصر في الفرد المعلوم، كما هو المفروض، فلا معنى للقول بأن الفائت هو القدر المشترك بين الأمرين.
والترك المطلق ليس مرادا في باب الفوائت، وإلا وجب على كل أحد دائما الصلاة، لأنه لم يصل في الآن السابق صلاة.
وبالجملة: الواجب المخير على قسمين: مطلق ومقيد، وما ذكرته إنما يجري في المطلق.