لصحيحة بكر بن محمد الأزدي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إني لأكره للمؤمن أن يصلي خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنه حمار، قال: قلت:
جعلت فداك فيصنع ما ذا؟ قال: يسبح (1).
وقد مر رواية أبي خديجة وحسنة زرارة إلا أن حسنة زرارة يشمل بإطلاقه الجهرية وإن سمع قراءة الإمام، بل هو ظاهر فيه، فحينئذ يرد الإشكال من جهة ما دل على استحباب القراءة فيما لم يسمع الصوت ولا الهمهمة، وحرمتها فيما سمعا، ومن جهة إطلاق رواية أبي خديجة وظاهر هذه الحسنة، فإنهما يدلان على رجحان التسبيح مطلقا، المتضمن لعدم الاستماع.
أما الإشكال الأول - وهو رجحان التسبيح كما هو مقتضى رواية أبي خديجة - ففيه أنها لا يقاوم تلك الأدلة كما ذكرنا سابقا. وأما الإشكال الثاني - وهو رجحان التسبيح مع تضمنه عدم الاستماع كما أفاده الحسنة - فقد قيل في وجه الجمع بينها وبين الآية بوجهين: الأول أن يكون المراد التسبيح الخفي بحيث لا ينافي الإنصات العرفي. والثاني أن يكون المراد التسبيح القلبي والنفسي، لا الذكري كما هو ظاهر الخبر (2).
وفي كليهما نظر، لأن المأمور به في الآية الاستماع والإنصات، ولا يتحقق الإنصات إلا بترك القراءة، ولا ريب أن الاستماع أمر مربوط بالقلب، فإنه هو إعمال القلب للجارحة المخصوصة لحصول المقصود، فمع ربط القلب بتحصل السماع يشكل الالتفات إلى التسبيح النفسي والقلبي الذي ليس هو إلا بتوجه القلب، ولا مدخل فيه لجارحة أخرى، إذ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، فلعل حملها على الإخفاتية، وجعل الإنصات عبارة عن ترك القراءة أولى، ويشعر بذلك أيضا بعض الأخبار كصحيحة علي بن يقطين.
وبالجملة: الحكم باستحباب التسبيح في الركعتين الأولتين من الجهرية إذا سمع القراءة، في غاية الإشكال، بل وجوازه أيضا.