إذا عرفت هذا فنرجع إلى أصل المسألة ونقول: الأقوى قول المشهور; لصدق الولي والأولى عليهما، ولا يجب على كل منهما بالتمام إجماعا، ولا يسقط عنهما بعموم النص، وترجيح أحدهما بلا مرجح قبيح، فلا مناص إلا التوزيع; لأن المتبادر من الأمر هو الوجوب العيني، وإذا ضمت إليه أصالة البراءة عن وجوب التمام على كل واحد عينا وكفاية، وقلنا بإطلاق الولي والأولى على كل واحد، بل الأكبر أيضا لو فسرناه بمن لم يكن أكبر منه، فلا يبقى إلا التوزيع على السواء فيما أمكن.
وتمسك ابن إدريس بأن الاجماع إنما ثبت في الولد الأكبر، ولا يصدق عليه، والأصل براءة الذمة، وعلة استحقاق الحبوة أيضا هنا غير موجودة (1).
وفيه: أن عدم الاجماع لا يوجب عدم الحكم، والأصل لا يقاوم ظواهر النصوص، وعدم استحقاق الحبوة أيضا غير ممنوع كما حقق في محله.
وأما دليل ابن البراج فلعله أن القضاء بتمامه لا يجب على كل منهما عينا، ويصدق على كل منهما أنه ولي أو أولى، فلا بد أن يكون الوجوب عليهما بعنوان الكفائي، وبفعل أحدهما يسقط عن الآخر، وما لم يتحقق فذمتهما معا مشغولة.
ولو تشاحا فلا مناص إلا القرعة; لأنها لكل أمر مشكل.
وفيه: مع ما مر من أصالة البراءة عن الكفائي أيضا أنه على تقدير الوجوب الكفائي لا مجال للتشاح، ولا يلزم من حصول العمل متعددا إذا شرعا معا وفرغا معا أن يكون مطلوب الله تعالى متعددا حتى يلزم خلاف الاجماع كما في صلاة الميت إذا لم يكن هناك ولي شرعي وتساوى المؤمنون فيه، ولم يكن إمام يقيم الجماعة، فصلاتهما معا صحيحة، وإن كان المطلوب صلاة واحدة، وكذلك في الإمام والمأموم.
وأما القرعة فهي على تسليم جريانها في العبادات مطلقا إنما تتم إذا حصل الإشكال، وإطلاق الأخبار دافع للإشكال.