التكليف بنومه; لزوال عذره سريعا (1).
وتبعه الشهيد الثاني - رحمه الله - في المسالك (2)، وفصله، وفرق بين النوم والإغماء والسكر والجنون، بأن النوم من الجبلة والعادة يزول سريعا ولا يزيل العقل، بل إنما هو يغطي الحواس، ولا يخرج عن أهلية التكليف، ولذلك يتنبه إذا نبه، بخلاف الجنون والسكر، بل الإغماء على الأصح، فلذلك لا تبطل العبادات التي ليست مشروطة بالطهارة الصغرى، كالإحرام والاعتكاف وغيرها.
ثم قال: فإن قيل: النائم غير مكلف; لأنه غافل، ولقوله صلى الله عليه وآله: " رفع القلم عن ثلاثة " (3) وعد منهم النائم حتى يستيقظ، وقد أطبق المحققون في الأصول على استحالة تكليفه، وذلك يقتضي عدم وقوع الجزء الحاصل وقت النوم شرعيا; لأنه غير مكلف به، ويلحقه باقي النهار; لأن الصوم لا يقبل التجزئة في اليوم الواحد، وأولى منه ما لو نوى ليلا ثم نام مجموع النهار، وهذا يؤيد ما ذكره ابن إدريس، بل يقتضي عدم جواز النوم اختيارا على الوجه المذكور.
قلنا: تكليف النائم والغافل وغيرهما ممن يفقد شروط التكليف; فقد ينظر فيه من حيث الابتداء به، بمعنى توجه الخطاب إلى المكلف بالفعل وأمره بإيقاعه على الوجه المأمور به بعد الخطاب، وقد ينظر فيه من حيث الاستدامة، بمعنى أنه لو شرع في الفعل قبل النوم والغفلة وغيرهما ثم عرض له ذلك في الأثناء.
والقسم الأول لا اشكال في امتناع التكليف به عند المانع من تكليف ما لا يطاق، من غير فرق فيه بين أنواع الغفلة، وهذا هو المعنى الذي أطلق الأكثر من الأصوليين وغيرهم امتناعه كما يرشد إلى ذلك دليلهم عليه، وإن أطلقوا الكلام فيه; لأنهم احتجوا عليه بأن الإتيان بالفعل المعين لغرض امتثال الأمر يقتضي العلم به، المستلزم