فإن أراد من النية هو القصد إلى الفعل الخاص لله تعالى، فلا دليل على عدم جواز تفريقها وتكريرها وبسطها في الأجزاء والاكتفاء بها، بل هو مطلوب يقينا، إلا أنه يكتفي فيما لو نوى أولا للكل باستمرار الحكم، ولا فرق في ذلك بين مثل الصلاة، ومثل الوضوء وغيرهما، فالاكتفاء بالنية لكل واحد واحد من أجزاء الصلاة تقربا إلى الله لا دليل على عدم جوازه، وكذلك الكلام في غسل كل من الأعضاء في الوضوء والغسل وقصد الوقوف في عرفات والمشعر ونحو ذلك.
وإن أراد من النية هي ملاحظة الغاية أيضا من مثل رفع الحدث واستباحة الصلاة وأمثال ذلك، فلا ريب أن القصد إلى كل جزء من الأجزاء باعتقاد أن له مدخلية في تلك الغاية أيضا مما لا غائلة فيه.
نعم لم يقل أحد بوجوبه.
وأما قصد رفع الحدث والاستباحة رأسا لذلك الجزء فهو مما لا مسرح له; لأن الشارع إنما وضع المجموع لرفع مجموع الحدث والاستباحة، ولا يستقل البعض في الجميع ولا في البعض المعين - أعني: الحدث المتعلق بذلك العضو مثلا - فقصد ذلك خلاف موضوع الشارع، فلا وجه للتفريق بهذا المعنى أصلا، ولا تخفى سخافة قول من ذهب إليه، والظاهر أن مراد القائل أيضا هو في الجملة، وهو ما أشرنا إليه.
وبالجملة نية العبادة إما تلاحظ بالنسبة إلى أصل العبادة، أو إلى أجزائها من حيث إنها أجزاؤها، ولا ريب أن أصل العبادة لا بد فيه من النية، وكون الباعث عليها هو القصد إليها مميزا عن غيرها من العبادات والعادات تقربا إلى الله تعالى.
فالإشكال إنما هو في أنه هل تجب النية أولا للمجموع ثم يكفي في الأجزاء استمرار النية الحكمية، بمعنى عدم قصد المنافي، أو يجوز أن ينوي في كل واحد واحد ذلك الواحد بالخصوص ثم يكتفي بمجموع النيات عن نية المجموع؟ وقد عرفت أنه لا دليل على تعين الأول.
وأما العبادات المتغايرة المتمايزة بهيئاتها وتراكيبها فلا ريب في لزوم النية في كل