الجهة الثانية: لو سلمنا أن الوجوب الجائي في أول الزوال، متلون بلون القصر والتمام أيضا، كما هو متلون بلون الظهرية والعصرية، فيكون الوجوب الآتي في أول الزوال متوقفا على حال المصلي، وأنه مقيم أو غير مقيم، فإن كان مقيما فهو متلون بلون التمام، وإن كان غير مقيم متلون بلون القصر.
فعند ذلك إذا دخل الوقت، فهل ينتزع منه عنوان " المقيم " أو عنوان " غير المقيم "؟ فإن كان قد ترك قصدها كما هو المفروض، فالوجوب الآتي متلون بلون القصر، ويكون العنوان المنتزع منه عنوان " غير المقيم " وإذا كان هذا العنوان ينتزع منه فلا يكون عاصيا، وإذا لم يكن عاصيا فلا يسقط وجوب الوفاء بالنذر في هذه الرتبة بالضرورة.
وبالجملة: لنا أن نقول: إن ما هو المفروغ عنه عند الفقهاء، والمتسالم عليه في الفقه، هو وجوب الوفاء بالنذر، ووجوب الصلاة بدخول الوقت، ومن كان مقيما يتم، ومن كان غير مقيم يقصر، وأما فروع وحدة رتبة الوجوبين فلا، لما يمكن أن يترتب أحدهما على الآخر ترتبا زمانيا، لا عقليا. ومن هنا يظهر الخلط في سائر الفروع.
وما هو الحجر الأساس: أن وجوب الصلاة قصرا مقتضى دليلين:
الأول: الأدلة المتكفلة لإيجاب الصلوات اليومية، وهو غير مترتب على العصيان واللا عصيان.
والثاني: الأدلة المتكفلة لإيجاب القصر على المسافر غير المقيم، وهو تابع لموضوعه، وإن كان بحسب اللب بينهما التقارن، ولكن لا ينبغي الخلط جدا.
وإن شئت قلت: ليس وجوب الصلاة قصرا من التكاليف النفسية الشرعية، بل هو من الإرشادات الشرعية إلى وظيفة المسافر والحاضر، والمقيم وغير المقيم، فما هو التكليف النفسي فهو غير مترتب على العصيان، وما هو الإرشاد إلى كيفية صلاة غير المقيم لا يعقل لأن يكون مترتبا عليه.