بيان مقسم الوجوبين النفسي والغيري ولما تحتاج المسألة إلى النظر الاجمالي في أن ما هو المقسم في الوجوب النفسي والغيري، هل هو الشوق والمحبة والمصالح الكلية التي تكون الأحكام تابعة لها، أم المقسم لهما هو الوجوب والحكم، أو الطلب والإرادة النفسانية.
فنقول: لا شبهة في أن ما هو المحبوب الذاتي، والمشتاق إليه في السلسلة الطولية المركبة من الاشتياقات، ليس هذه الأفعال والحركات الصادرة من الانسان في الإرادة التكوينية، ولا في الإرادة التشريعية.
بل ما هو المطلوب الأقصى ليس هي المعرفة، لما تقرر في محله: من أن العلم النظري والحكمة النظرية، مطلوبة للغير، وهي صيرورة الانسان الإمكاني غنيا بالغير، وباقيا بالوجوب الذاتي الأبدي، ومتخلفا بأوصافه وصفاته، ومنطويا في ذاته، ومستجمعا لكمالاته الباقية بصفة الوجوب، فإن خيرة الانسان وفطرته تعشق الكمال المطلق، وتتحرك نحو ذلك الكمال على الإطلاق حتى لا يقف اشتهاؤه عند وصوله إلى جميع الكمالات الوجوبية إلا إذا صار واجب الوجود بالغير، وفانيا ومضمحلا، فيكون باقيا بتلك الصفة الوجوبية الأزلية، وقادرا وخالقا وكاملا على الإطلاق (1).
فما ترى في كتب القوم: " من أن غاية اشتهاء الانسان هي المعرفة " (2) فهو في غير محله. ولعله مأخوذ من بعض الروايات (3) اغترارا بها، غفلة عن اختلاف الناس حسب اختلاف الخطابات الواردة عن الأئمة المعصومين - صلوات الله تعالى