ولمزيد الاطلاع على حد هذه الشبهة، وعلى حد التقاريب الآتية دفعا لها، نقول: لو كان الأهم من الموقتات الشرعية كالصوم، والمهم أيضا منها، أو من الموسعات، فإنهم يقولون بجريان الترتب فيها، والأمر هنا أوضح، ضرورة أن أول الفجر ظرف الامتثال والفعلية بالنسبة إلى الأهم، وعصيانه معناه عجز العبد عن الصوم، فهل العبد يعجز عن الصوم في أول الفجر، أو بعده؟
فإن كان عصيانه في أول الفجر ممكنا، بأن يكون العصيان أمرا غير زماني، كان لذلك وجه واضح، لاتحاد زمان الشرط - وهو العصيان - وزمان الأهم والمهم، لإمكان كل ذلك.
وأما إذا كان معنى العصيان: عجز العبد بعدم تمكنه من امتثال الأمر الأهم، وعدم تمكنه لا يحصل ولا يتحقق إلا بمضي الزمان، فلا يتحقق الشرط إلا بمضي الزمان، فيكون وجوب المهم متأخرا زمانا، لتخلل الشئ الزماني بين الأمرين، وعند ذلك كيف يعقل وحدة الزمان لهما، مع تخلل الشئ الزماني بينهما؟!
وبعبارة واضحة: إن العصيان المتحقق بالاشتغال بفعل المهم، متأخر عن فعل المهم في الرتبة، فكيف يعقل كونه شرطا لوجوب فعل المهم المتقدم عليه في الرتبة؟! فيلزم تقدم ما هو المتأخر في الرتبة، وهذا دور واضح المنع، أو تقدم الشئ على نفسه، فإنه أفحش فسادا من الدور، على ما تحرر (1) فتأمل.
وإن شئت قلت: إن الانبعاث نحو المهم، متأخر عن البعث إليه في الرتبة، والعصيان إما في رتبة الانبعاث الخارجي، أو متأخر عنه، فكيف يعقل كونه شرطا لفعلية البعث المتقدم عليه طبعا؟! فتدبر تفهم. وسيزيد اتضاحا عند ذكر التقاريب الممكنة لإثبات الترتب إن شاء الله تعالى (2).