فيما لا يزال، فتكون الإرادة أزلية، والمراد حادثا في الزمان المتأخر، وفي عصر كذا.
وأما كيفية تصوير هذه الإرادة، وكيفية المراد بالذات وبالعرض في حقه تعالى، فهي موكولة إلى أرباب الفن، ولقد تعرضنا في " القواعد الحكمية " (1) لقصارى هذه المسائل، ومن شاء فليرجع إلى ما هناك، وإنه من مزال الأقدام، لا يجوز للعالم الأصولي سلوك هذه المسالك الخطيرة، لوقوعه فيما لا ينبغي، ولا يعد معذورا، لجهله بجهله.
الاستدلال على الواجب المعلق وبيان انفكاك المراد عن الإرادة والمقصود من هذا التمثيل تصوير أن الإرادة، لا تستتبع المراد على كل حال، ويمكن التفكيك بينهما، وهو تابع لكيفية تعلقها به. هذا حسب البرهان العقلي المشعوف بالعرفان والشهود العلمي.
وأما بحسب الوجدان، فانظر إلى ما تريده في كربلاء وأنت في النجف، فإن الضرورة قاضية بأن إرادة كربلاء توجب - لكونها إحدى مبادئ إرادة مقدماته - إرادة في وجودك نحو تلك المقدمة، وهي أخذ السيارة، وتحصيل ما يرتبط به حتى توصلك إليها، لزيارة الحسين - روحي فداه - ليلة الجمعة، فهل أنت بالنسبة إلى الزيارة لست مريدا، أن أنت مريدها بالضرورة؟ فهل تحصل إذا كنت مريدها الزيارة بلا انتظار، أم الإرادة حاصلة، والزيارة تحصل بعد ذلك؟
فحصل التفكيك بين الإرادة والمراد في الإرادة الفاعلية، فلا شبهة في تحققها قبل تحقق المراد بزمان طويل، وليس هذا التفكيك إلا لأجل أن الإرادة تعلقت بالمتأخر، ولكن التأخر المعلوم فعلا مراد بالذات فعلا، ومتأخر في الوجود زمانا.