الثانية: حول انفكاك الإرادة الأزلية عن المراد قضية ما تقرر في الكتب العقلية: هو أن الله تبارك وتعالى نافذة قدرته وإرادته، ولا شئ خارج عن حكومته (1). وهذا هو الظاهر من الكتاب حينما يقول:
* (والله خلقكم وما تعملون) * (2) ويقول: * (خالق كل شئ) * (3) ومن الأشياء أفعال العباد، وكان ما يعملون ويعبدون هي الصورة التي كانت تصنعها أيديهم من الخشب، لا مادة الخشب، فاغتنم وافهم.
وأيضا تقرر في محله: أنه تعالى منزه عن الحوادث، ولا يوصف بها، بل الحوادث كلها خلائق الله تعالى (4).
فإذن تحدث مشكلة ومعضلة قوية: وهي أنه كيف يمكن استناد المخلوق الزماني فيما لا يزال، إلى الموجود الأزلي المنزه من حوادث الصفات، ومنها:
الإرادة؟! لأن الحوادث الزمانية المستندة إليه تعالى، إما تستلزم حدوث الإرادة، أو تكون الحوادث قديمة زمانا، والكل ممنوع عقلا ووجدانا.
وما هو الحجر الأساسي حلا لمثل هذه الشبهة: هو أن الإرادة عليتها تابعة لكيفية تعلقها، فإذا تعلقت الإرادة بوجود زيد فعلا، فلا بد أن يتحقق المراد، وهو زيد، وإذا تعلقت الإرادة بوجود زيد غدا، فلا بد أن يتحقق المراد في القطع، فلو تحقق المراد في الحال، فقد تخلف المراد عن الإرادة، لأنها تعلقت بتلك الكيفية، لا بهذه الكيفية. فهو تعالى الغني بالذات، يريد في الأزل خلق زيد مثلا أو فعل المكلف مثلا