وحينئذ فإذا ملك أمتين دفعة أو على التعاقب صح الانتقال والملك إجماعا، وله نكاح أيتهما شاء، فإذا وطأ إحداهما حرمت عليه الأخرى حتى تخرج الأولى عن ملكه، فلو خالف ووطأ الأخرى أيضا فقد أثم، ولا حد عليه من حيث الملك، وإنما يعزر من حيث ارتكاب المحرم كما في كل فاعل محرم.
بقي الكلام في أنه بعد وطئه الثانية فهل تحرم الأولى عليه، أو الثانية، أو هما معا على بعض الوجوه؟ أقوال منتشرة:
الأول: مذهب الشيخ في النهاية وهو أنه: إن وطأ الأخرى بعد وطئ الأولى وكان عالما بتحريم ذلك عليه حرمت الأولى عليه حتى تموت الثانية، فإن أخرج الثانية عن ملكه ليرجع إلى الأولى لم يجزله الرجوع إليها، فإن أخرجها عن ملكه لا لذلك جاز له الرجوع إلى الأولى، وإن لم يعلم تحريم ذلك عليه، جاز له الرجوع إلى الأولى على كل حال إذا أخرج الثانية عن ملكه.
هذا لفظ عبارته في الكتاب المذكور، وتبعه القاضي وابن حمزة واختاره العلامة في المختلف.
الثاني: قول ابن إدريس، وهو أن الأولى تبقى على الحل والثانية على التحريم سواء أخرج الثانية عن ملكه أم لا وسواء كان جاهلا بتحريم وطئ الثانية عليه أم عالما، ومتى أخرج الأولى عن ملكه حلت له الثانية سواء أخرجها لأجل العود إلى الثانية أم لا.
أما الأول فلأن التحريم إنما تعلق بوطئ الثانية، لأن به حصل الجمع بين الأختين فيستصحب، و " الحرام لا يحرم الحلال " (1) ولأصالة بقاء الحل، وتحريم الثانية.
وأما الثاني فلأنه متى أخرج إحداهما عن ملكه لم يبق جامعا بين الأختين لانتفاء سببه، واختار هذا القول المحقق والعلامة في القواعد، ونقله في المسالك عن الشيخ في المبسوط وأكثر المتأخرين.