رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين (ع) - السدي علي خان المدني الشيرازي - ج ٢ - الصفحة ٣٥٣
ومخالفة الهدى.
____________________
وقال عليه السلام: جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم (1).
والثالثة: أن يغلب هواه كالأنبياء والأوصياء وكثير من صفوة الأولياء. وهذا المعنى قصد النبي صلى الله عليه وآله بقوله: ما من أحد إلا وله شيطان، فقيل:
يا رسول الله ولا أنت؟ فقال: ولا أنا، إلا أن الله تعالى قد أعانني على شيطاني حتى ملكته (2) فإن الشيطان يتسلط على الإنسان بحسب وجود الهوى، والله أعلم. هو مصدر من هداه، كالسرى والبكى، وقد أسلفنا الكلام على الهداية ومراتبها في الروضة الخامسة (3). ثم المراد بالهدى هنا: الهدى العام الذي هو تعريف طرق الخير والشر، ومخالفته هو الضلال، وهو إما لغفلة كإيثار اللذات الحسية على الروحانية إيثار الصبي اللعب على السلطنة، أو لغرور سكون النفس إلى ما تهواه لشبهة، ككون النقد خيرا من النسية والدنيا نقد، وهو غلط، فإن العشرة النسية خير من الواحد النقد عند التيقن، والآخرة يقين عند البصراء من الأنبياء والأولياء والعلماء وعلى القاصرين تقليدهم، كما أن على المريض تقليد الطبيب، أو لغلبة هوى عليه لضيق صدره عن الخير وشرحه للشر، فإن استمر عليه أورثه رينا (4)، ثم غشاوة، ثم طبعا، ثم ختما، ثم قفلا، ثم موت القلب فلا تنفعه الآيات والنذر، كما قال تعالى: إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله (5). نعوذ بالله من ذلك.

(١) الذريعة إلى مكارم الشريعة: ص ٣٢.
(٢) الذريعة إلى مكارم الشريعة: ص ٣٤.
(٣) ص ١٥٦.
(٤) رين بالرجل رينا: إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه. النهاية لابن الأثير: ج 2 ص 291.
(5) سورة الأنعام: الآية 36.
(٣٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 358 ... » »»
الفهرست