أن المرفوع عن المكلفين عند جهلهم بالتكاليف الواقعية ليس إلا خصوص الالزام الظاهري والعقاب الذي تستلزمه مخالفة الواقع، وأما الأحكام الواقعية وملاكاتها فهي باقية على حالها، وعليه فتغرير الجاهل بالأحكام الواقعية وإن لم يوجب مخالفة المغرور التكاليف الالزامية إلا أنه يوجب تفويت غرض الشارع فهو حرام.
ومثال ذلك في العرف أن المولى إذا نهى عبيده عن الدخول عليه في وقت خاص عينه لفراغه، فإن نهيه هذا يشمل المباشرة والتسبيب، ولذلك لو سبب أحد العبيد لدخول أحد على مولاه في ذلك الوقت لصح عقابه كما يصح عقابه لو دخل هو بنفسه، لاتحاد الملاك في كلتا الصورتين بحكم الضرورة والبديهة.
ومما ذكرناه ظهر لك أن في تعبير المصنف تسامحا واضحا، فإنه أتى بلفظ القبيح بدل لفظ الحرمة، ومن الضروري أن القبح يرتفع عند الجهل بالتكليف ولا يلزمه ارتفاع الحرمة، اللهم إلا إذا أراد بالقبيح الحرمة ولكنه لا يرفع التسامح.
ثم إن الوجوه المتقدمة إنما تقتضي حرمة تغرير الجاهل بالأحكام الواقعية فيما إذا كان المغرور في معرض الارتكاب للحرام، وإلا فلا موضوع للاغراء، ويترتب على ذلك تقييد وجوب الاعلام في بيع الدهن المتنجس بذلك أيضا، فإنه إنما يجب فيما إذا كان المشتري في معرض الانتفاع به فيما هو مشروط بالطهارة وإلا فلا دليل على وجوبه.
قوله: بل قد يقال بوجوب الاعلام وإن لم يكن منه تسبيب.
أقول: قد عرفت بما لا مزيد عليه حرمة القاء الجاهل في الحرام الواقعي، وأما لو ارتكبه الجاهل بنفسه من دون تغرير ولا تسبيب من الغير فهل يجب على العالم بالواقع اعلامه بالحال فيه وجهان، فعن