أولئك الشياطين أن يثيروا الشبهات المضعفة للدعوة والموجبة لزعزعة درجة الطمأنينة والوثوق لدى كثير ممن آمن بها، واطمأن إليها، أو يحدث نفسه بذلك.
فتأتي المعجزة لتثبت أولئك، وتشجع هؤلاء، ولتسحق أيضا كبرياء المستكبرين، وتكسر شوكتهم. ويكون بها خزي المعاند، وبوار كيد الماكر والحاقد.
الثاني: وثمة معجزات وكرامات، وخوارق عادات أكرم الله بها أنبياءه وأولياءه تشريفا لهم، وتجلة وتكريما، وإعزازا لجانبهم. وقد يستفيد منها المؤمن القوي سموا ورسوخ قدم في الإيمان، ومزيد بصيرة في الأمر، حيث تسكن نفسه، ويطمئن قلبه، على قاعدة قوله تعالى: (قال: أولم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي) (1). وعلى قاعدة (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا) (2).
ونلحق بهذا القسم ما يصدر عنهم عليهم السلام مما تقتضيه قواهم الروحية ومكانتهم النفسية وتعلقاتهم الغيبية، وهذا لا يسأل عنه إلا على نحو السؤال عن سبب صدوره عنهم لا عن سبب وجوده فيهم، وليس بالضرورة أن يكون فيه إظهار كرامة من الله لهم أو إعجاز يظهره الله تعالى على أيديهم، بل هو من آثار طبيعتهم البشرية الصافية، التي تقتضي هذا النوع من الآثار بل تقتضي ما هو أكثر منه.
الثالث: ذلك القسم الذي هو عبارة عن تجلي السنن والنواميس الواقعية التي تحكم المسار العام، فيما يرتبط بتبلور دور الشخصية القيادية الواقعية في نطاق هيمنتها على الواقع العام، من خلال تلك النواميس وعلى أساسها، فتجسد الكرامة والمعجزة بصفتها ضرورة حياتية في نطاق الهداية الإلهية على أساس نواميس الواقع، وتجلياتها حسب مقتضياته، الأمر الذي يعني أن تعامل النبي والإمام مع المخلوقات من موقع المدبر والراعي، والحافظ لها، باعتبارها جزءا من التركيبة العامة، حيث لا بد من التعامل معها على هذا الأساس.
وهذا القسم الأخير هو الذي يعنينا الحديث عنه هنا.