الحكام والفقهاء ووظائفهم، وتحكم بمقتضاهما، ولا تحكمن بشئ ما لم يثبت من القاعدة أو من دليل آخر.
فمن الموارد التي لا أرى عليه دليلا: ما تداول في هذه الأعصار في المبايعات الشرطية التي فيها خيار الفسخ للبائع بشرط رد الثمن إلى المشتري في زمان معين، فإذا لم يحضر المشتري في الزمان المعين، يجيئون بالثمن إلى الفقيه و يفسخون المبايعة.
ولا أرى لذلك وجها، فإن شرط الخيار هو رد الثمن إلى المشتري، فإذا لم يتحقق الشرط، كيف يتحقق الفسخ؟ وكون الفقيه قائما مقامه حتى في ذلك مما لا دليل عليه أصلا.
وتوهم أن ذلك لدفع الضرر والضرار فاسد، إذ هذا الضرر مما أقدم البائع نفسه عليه، مع أن الفسخ لا عند المشتري متضمن لضرر المشتري.
سلمنا الضرر المنفي، فلم يجبر برد الثمن إلى الفقيه والفسخ عنده؟ إذ بعد ما جاز للحاكم التجاوز عن مقتضى الشرط لدفع الضرر، فيمكن دفعه بزيادة مدة الخيار، أو بالزام المشتري على ما يجبر به الضرر، أو بغير ذلك من الاحتمالات.
ومن تلك الموارد ما ذكروه في باب النسيئة: أنه إذا لم يقبل البائع الثمن في الأجل، يؤديه إلى الحاكم ويبرأ بذلك، ويكون التلف من البائع حينئذ.
وهو أيضا مما لا دليل عليه، وحديث الضرر يعلم ما فيه مما مر، إلى غير ذلك من الموارد.
فإن قيل: لا بد في أمثال تلك الموارد من الرجوع إلى الحاكم.
قلت: نعم لا شك في ذلك، وهو المرجع في جميع الحوادث، وله منصب المرجعية في جميع ما يتعلق بالشريعة، ولكن الكلام في وظيفة الحاكم بعد الرجوع إليه أنها ما هي؟ والله العالم بحقائق أحكامه.