وإن كان أحد الثلاثة الأخيرة، فثبت منه جواز العمل بالخبر أيضا.
أما الاحتياط، فلأنه قد عرفت في بعض المقامات العائدة السابقة (1) قطعية جواز العمل بالخبر، فالأمر في العمل فيه مردد بين الوجوب والإباحة، فالاحتياط فيه العمل بالخبر.
وأما التخيير أو الأصل، فلأن أحدهما إذا كان المأخذ للأحكام في الوقائع، فيكون مأخذا في هذه الواقعة أيضا، أي قبول الخبر والعمل به ورده، ضرورة بطلان الترجيح بلا مرجح، فيكون لك اختيار العمل به، ويكون الأصل إباحة العمل به.
فإن قلت: العمل بالأصل أو التخيير أو الاحتياط، بل أو الشهرة أو الإجماع المنقول في العمل بالخبر إنما يجوز لو لم يعارضه أحد هذه الأمور في مورده و مدلوله. ولا مضايقة حينئذ في العمل بالخبر فيما كان الخبر موافقا للشهرة في الحكم، أو الإجماع المنقول، أو الاحتياط فيه، أو التخيير أو الأصل فيه. ولكن كيف يعمل بأحد هذه الأمور في نفس العمل بالخبر مع معارضته بمثله في مورده و مدلوله.؟!
قلنا: كما أن الأصل أو التخيير أو الاحتياط أو غيرهما في المورد والمدلول يعارض مثله في نفس الخبر، فكذلك العكس أيضا، أي العمل بالأصل أو الاحتياط مثلا في المورد والمدلول يعارضه مثله في نفس العمل بالخبر، فإن لم يكن العمل به في نفس الخبر لا يمكن أيضا في مدلوله. وترجيح الأخير ترجيح بلا مرجح، فلا يمكن العمل بهذه الأمور في كل مورد يخالفه الخبر.
وحينئذ فنقول: إن في كل مورد يوافق فيه الأخبار مع هذه الأمور يجوز العمل بالخبر قطعا، ويكون العامل به ناجيا. وفي كل مورد يخالف أحد هذه الأمور، فلا يمكن العمل فيه بواحد من هذه الأمور للتعارض المذكور.