تركه، قلت: أنا أتركه، فهل تسقط عني الأحكام المذكورة؟
فإن قلت: نعم، فهو خلاف المفروض، وإن قلت: لا، قلت: فما حيلتي في الإتيان بها، وما الواجب علي؟
فإن قلت: لا يجب عليك شئ، ارتكبت خلاف المفروض، وإن قلت:
يجب عليك الاحتياط، عينت المتبع، وإن قلت: يجب عليك الاحتياط من باب المقدمة، فيكون أيضا واجبا.
وبالجملة: الحكم ببقاء التكاليف لنا غير المعلومات، وعدم وجوب أخذنا إياها من مأخذ، مما لا يتصور له معنى سوى سقوط التكاليف، وهو خلف، فيجب علينا أخذها من متبع ومأخذ لا محالة. والأخذ من متبع غير معين غير ممكن، فيجب علينا تعيين ذلك المتبع والمأخذ لا محالة.
وما يمكن أن يكون متبعا ومأخذا للأحكام الفرعية الغير المعلومة في هذا الزمان منحصر بأمور محصورة - كما مر في العائدة السابقة، وفي هذه العائدة - في أمور خاصة هي الأخبار، أو الظن مطلقا، أو ظنون مخصوصة غير الأخبار، أو الاحتياط، أو التخيير، أو الأصل. فيجب علينا تعيين المتبع من بين هذه الأمور لا محالة.
وباب العمل بتعيينه منسد، وإلا لكانت التكاليف معلومة، فتعيينه أيضا لا بد وأن يكون بأحد تلك الأمور، إذ ليس شئ آخر يدل على تعيين المتبع ويتكفل بيانه، ويمكن استنباط التعيين منه، وكل منها كان المناط في تعيين المتبع يثبت منه جواز العمل بالخبر.
أما الخبر فظاهر.
وأما الظن المطلق، فلما عرفت من مظنونية حجية الأخبار. وكذا الشهرة والاجماع المنقول.
وأما الاحتياط، فلما عرفت من أن جواز العمل بالأخبار يقيني، فيكون الاحتياط في العمل به، مع أنه لو كان الاحتياط هو مأخذ التعيين يجب الأخذ