وإن كان لنا تكليفات باقية، ولم يسمع منا (1) العذر في تركها، فلا بد وأن نعمل بشئ في فهم تلك التكليفات، واستخراجها وتعيينها; إذ من البديهيات أنه إذا قرر أحد لغيره أحكاما، وكان باب العلم به منسدا، فلا محالة يطلب منه تعيينها بمعين، ويجعل له مأخذا لفهمها، ويقرر له متبعا.
فنقول: ما يمكن أن يكون مأخذا للأحكام الغير المعلومة، والمتبع فيها ينحصر بأمور خاصة هي: الأخبار، ومطلق الظن، والظنون المخصوصة غير الخبر، والاحتياط، والتخيير - بمعنى أن له أن يختار كل حكم يريد في الوقائع الغير المعلوم حكمها - والأصل، أي أصل الجواز والإباحة.
ليس الأخير قطعا، ولم يقل أحد ممن قال بوجود حكم غير المعلومات: إنه منحصر بالإباحة. ومنه يعلم أنه ليس منحصرا بالتخيير أيضا، بل بالاحتياط والظنون المخصوصة التي غير الظن الخبري، إذ كل من قال بوجود حكم غير المعلومات لم ينحصر الأحكام بمدلولات هذه الأمور، ولم يقل أحد منهم بأن الحكم منحصر بمقتضى أحد تلك الأمور.
فانحصر المتبع في الأخبار، أو مطلق الظن. فإن كان الأول ثبت المطلوب، وكذا إن كان الثاني، فإن المطلوب الخبر المظنون صدقه.
وبتقرير آخر: كل من قال ببقاء أحكام غير المعلومات يقول: إما بحجية الأخبار، أو مطلق الظن، وأي منهما كان ثبت المطلوب.
أو نقول - بعد فرض بقاء التكاليف وأحكام غير المعلومات، وحصر المأخذ في الأمور الستة المذكورة -: إن أيا منهما كان ثبت المطلوب.
أما الخبر والظن المطلق فظاهر، كما مر.
وأما الظنون المخصوصة غير الخبر، فليست هي وما يصلح أن يكون مأخذ الأحكام إلا الشهرة أو الإجماع المنقول، وهما يدلان على حجية الخبر أيضا.