المصرحة بقوله: (اسكتوا عما سكت الله) 1 و (رفع عن أمتي) 2 و (وضع) 3 وأمثالها التي هي صريحة في أن بعض الوقائع مسكوت عنه، وأحكام البعض موضوع ومرفوع وأما ادعاء أن بعض الأحكام متعلق بالكليات والمجلات التي لا يعلم تفاصيلها، فالتكليف يكون ثابتا في التفاصيل الغير المعلومة، فيجب الرجوع إلى الظن، فكلام سطحي واه، إذ بعد ثبوت التكليف بالكلي أو المجمل، لأي جهة يثبت التكليف بالجزئي أو التفصيل؟
قال الشارع: أعتق رقبة مؤمنة مثلا، وهو كلي أو مجمل، ولم يبين أن الرقبة رومية أو حبشية، بيضاء أو سوداء، قصيرة أم طويلة، جميلة أم كريهة، شابة أم شائبة، صغيرة أم كبيرة، مهزولة أم سمينة، بليدة أم فطنة، إلى غير ذلك، فنقول: لا تكليف في هذه الخصوصيات وكذا قال: تجب القراءة في الصلاة، فلو لم يبين أنها جهرية أم إخفاتية، تكون بالنسبة إليهما كلية أم مجملة، ولا يكون بالنسبة إليهما تكليف وحكم، بل المكلف مختار في الاتيان بأي منها شاء.
لا يقال: التخيير أيضا حكم من الاحكام لان التخيير على قسمين، أحدهما:
ما ثبت لأجل حكم الشارع بالتخيير. وثانيهما: ما كان بحكم العقل، لا بمعنى أن يحكم العقل بأن الشارع حكم بالتخيير، بل لما لم يحكم الشارع فيه بحكم، يكون المكلف فيه مطلق العنان، وهذا غير الحكم الشرعي.
والملخص: أن تخيير المكلف ناشئ تارة عن حكم الشارع بالإباحة، وهو من الأحكام الشرعية، وأخرى من عدم الحكم وفقدانه، وهذا حكم العقل دون الشرع، وهذا أحد معنيي الإباحة العقلية، ومعناه الاخر: حكمه بالاختيار شرعا، وهذا حكم شرعي ثابت بالعقل