والتحريم وأحوالهما المتعدية الفعلية، فيقال: أوجب فوجب، وحرم فحرم، و هكذا، فلا وجوب ما لم يتحقق إيجاب، ولا حرمة ما لم يتحقق تحريم، وهكذا البواقي.
ثم طلب الشئ عبارة عن إظهار محبوبيته، فما لم يتحقق الاظهار بنحو من الأنحاء - ولو بالعقل أو العادة أو غيرهما - لم يتحقق الطلب، وما لم يتحقق الطلب، لم يتحقق الوجوب والحرمة وأخواتهما وان كان الفعل في الواقع محبوبا فعله أو تركه، مع مبغوضية النقيض أو عدمها.
فان المولى إذا اشترى عبدا، ولم يأمره بعد بشئ، ولم يحكم له بحكم، ليس شئ واجبا عليه ولا حراما، إلى اخر الاحكام، إلا ما كانت محبوبيته أو مبغوضيته أو تساويه معلوما للعبد بالعقل أو العادة، فإنهما أيضا لسانان للمولى.
فلما كان كذلك، فلو كان الجلوس في بيت معين محبوبا للمولى واقعا، مبغوضا تركه، ولكن لم يبينه بعد للعبد، لا يقول أحد: إنه أوجبه عليه، أو واجب عليه.
وهذا ظاهر جدا، ويكفيك في ذلك كون تلك الأحكام أحكاما وهو من مقولة الافعال، حيث إن الحكم عبارة عن التصديق، فلا يتحقق الحكم إلا بفعل من الحاكم وبعد تلك المقدمة، يظهر لك: أن الواجب والمباح وأخواتهما هو ما بين الله سبحانه وجوبه أو إباحته - مثلا - وقرره لنا، وأما مجرد الرضى بالفعل وعدم السخط عليه من دون بيان ذلك أصلا، فليس حكما ولا تكليفا.
ألا ترى أن الله سبحانه محيط بجميع أفعال الحيوانات والأطفال والمجانين، و من لم يسمع بشريعة أصلا، وبأفعال الناس قبل البعثة، بل بسكنات الجمادات، ولا يخلو: إما راض بها أو لا - إلى اخر ما قيل 1 - مع أنهم ليسوا بمكلفين،