وبون بعيد بين حكم الرسول بحكم، وبين بقائه للجاهل الغير المتمكن من الوصول إليه.
الا ترى أن جمعا من العلماء حكموا بمعذورية الجاهل الساذج بالمرة، و وضعوا عنه الحكم، وأجمعوا على وضع الحكم عن الجاهل في بعض الموارد، و ما الضرر في أن الرسول يحكم لشئ بحكم، وكان هو لمن وصل إليه هذا الحكم بالطريق العلمي، أو الظن الثابتة حجيته؟ بل الامر كذلك لا محالة، ولا حكم لمن لم يصل إليه، وعبارة (رفع عن أمتي) و (وضع) صريحة فيه.
وقد أجمع جميع العلماء بل صار ضروريا من دين سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم: أن المستضعفين والذين لا خبر لهم عن حكم أصلا معذورون، ولا يتعلق بهم الحكم.
بل لنا ها هنا كلام اخر، وهو أنه ما أراد بأحكام الله التي أتى بها النبي (ص) في كل واقعة بمدلول تلك الأخبار، ويحكم ببقائها إلى هذا الزمان؟
فإنه إما يراد: أن لله سبحانه في كل واقعة في حق جميع المكلفين حكما واقعيا واحدا معينا غير متبدل، هو حكم لجميع المكلفين، حكم به وقرره، وهو باق لنا ولغيرنا، يجب على الكل العمل بهذا الحكم الواحد، والآتيان به، و يعاقب تاركه، والمنحرف عنه أو يراد: أن لله سبحانه في كل واقعة لكل أحد حكما يجب عليه العمل به و إن لم يكن ذلك الحكم معينا، بل تعيينه منوط بنظر المكلف وسعيه واجتهاده؟
فان كان المراد الأول: فلا يتفرع عليه وجوب العمل بالظن أصلا، بل يناقضه، لأنه إذا وجب العمل بشئ معين، والآتيان به البتة، فالمظنون يمكن أن يكون هو، وأن يكون غيره، فالاتيان بالمظنون لا يعلم أنه الاتيان بما فرض وجوب الاتيان به البتة، ومع ذلك هو مخالف لاجماع جميع المسلمين، إذ معنى وجوب العمل بشئ معين واحد أنه يعاقب بتركه والانحراف عنه، فلو كان الله سبحانه في كل واقعة، أو في الجملة لجميع المكلفين حكما معينا واحدا غير ساقط عنهم -