أقول: يرد عليه - بعد المعارضة بثبوت التداخل، وبنائهم عليه في كثير من الأبواب، بحيث يمكن دعوى مساواتها لما بني فيه على العدم، كأبواب الوضوء والغسل والتطهير من الأخباث، والنذور والايمان، كمن حلف ألف مرة على فعل واحد، أو ترك أمر واحد، أو نذره، والحدود، كمن شرب قبل الحد مرات، أو قذف كذلك أو زنى، فظاهر أنه لا يفيد الاستقراء في مثل ذلك شيئا - أنه على فرض التسليم لا يكون ذلك إلا من باب الحاق الشئ بالأعم الأغلب، وهو ليس إلا من الظن الغير ثابتة حجيته.
ألا ترى أنه بعد ثبوت أصل الطهارة الأولي للأشياء، لو حكم الشارع بنجاسة أكثر الأشياء، بحيث لم يبق محل للشك الا قليل، لا يحكم بنجاسته.
وبالجملة ليس ذلك - لو سلمت الغلبة - الا من الظنون التي لم تثبت حجيتها، وهذا ظاهر جدا.
السادس: ما ذكره أيضا، وهو أن اختلاف المسببات إما أن يكون بالذات، كالصوم والصلاة، وصلاة الفجر والظهر أو بالاعتبار، كصلاة الفجر أداءا و قضاءا.
والاختلاف في الثاني ليس الا اختلاف النسبة والإضافة إلى السبب، فان صلاة ركعتين بعد الفجر ممن عليه صبح فائتة، صالحة لها وللحاضرة، وانما تختلف وتتعدد باعتبار نسبتها إلى دخول الوقت وخروجه، فان أضيفت إلى الأول كانت أداءا وإلا قضاءا، ومثل ذلك الاختلاف يتحقق في كل ما ينفى فيه التداخل، لأن المفروض فيه اختلاف الأسباب التي تختلف معها النسبة.
ثم إنه متى كان هذا الاختلاف في النسبة مقتضيا للتعدد في مورد واحد، كان مقتضيا له في غيره، لان المعنى المقتضي للتعدد يتحقق في الجميع، قائم في الكل من غير فرق، فيكون الأصل تعدد المسببات بتعدد الأسباب، ولا يلزم منه امتناع التداخل، لأنه إنما يلزم لو كان اختلاف النسبة سببا تاما للتعدد، وليس كذلك، فإنه مقتض له، والتخلف عن المقتضي جائز مع وجود المانع، وهو