الآمرية، فإنها متعلقة بالبعث، وتبعث المكلفين نحو المطلوب، وهذه لا تستلزم تلك الإرادة، لعدم بنائه على المبادرة إلى إيجاد الفعل في الخارج، حتى يتوقف وجوده على شئ لا بد من إرادته. وهذه الإرادة تسمى ب " الإرادة التشريعية ".
وأما توهم: أن متعلق الإرادة الآمرية، صدور الفعل عن الفاعل المكلف عن اختيار، وتكون هي غير الإرادة الفاعلية، لإمكان تخلف المراد عنها دونها (1)، فهو غير مرضي وجدانا وبرهانا، كما تعرضنا لذلك في تنبيهات بحث الطلب والإرادة (2).
ولو كان الأمر كما زعم فالمقصود أظهر، لأن القياس مع الفارق الواضح. ومن ابتلي بالقياس بين الإرادتين، ابتلي بكثير من الإشكالات والشبهات.
ومما يعرب عن ذلك: أن الآمر والمأمور مختلفان - بحسب التشخيص - فيما يتوقف عليه المأمور به والمكلف به، فربما يلزم أن إرادة الآمر تتعلق بما يراه مقدمة، وهو ليس بمقدمة، ولا شبهة في لزوم تبعية المأمور لتشخيصه، لا تشخيص المولى، فهذا شاهد على أن المولى يتكل في ذلك على العقل، ولا يكون ملجأ في تلك الإرادة حتى يثبت بالملازمة.
والذي هو مقصود مريد هذه القاعدة: أن مذهب العدلية وإدراك العقل على أن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد، فإذا أدرك العقل شيئا حسنا، أو قبيحا، فالشرع بما أنه عقل محض، ويكون مداره على المصالح والمفاسد، يصدق ذلك الإدراك تنجيزا وتعذيرا، لا أنه يريد بالإرادة التشريعية الآمرية ذلك، وإلا يلزم تعدد العقاب في جميع المحرمات والواجبات، ضرورة أن الغصب محرم شرعا بعنوانه الذاتي، والظلم بإدراك العقل قبيح، فيكون محرما شرعا، فإذا تحقق الغصب تحقق الظلم، فيعاقب إما مرارا، أو عقابا شديدا، لتعدد جهة البغض، فلا تغفل.