إلى أن اسم ذي اليدين الخرباق بكسر المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة وآخره قاف، اعتمادا على ما وقع في حديث عمران بن حصين الآتي. قال في الفتح: وهذا موضع من يوحد حديث أبي هريرة بحديث عمران وهو الراجح في نظري، وإن كان ابن خزيمة ومن تبعه جنحوا إلى التعدد، والحامل لهم على ذلك الاختلاف الواقع في السياقين، ففي حديث أبي هريرة: أن السلام وقع من اثنتين، وأنه (ص) قام إلى خشبة في المسجد. وفي حديث عمران: أنه سلم من ثلاث ركعات، وأنه دخل منزله لما فرغ من الصلاة، فأما الأول فقد حكى العلائي أن بعض شيوخه حمله على أن المراد أنه سلم في ابتداء الركعة الثالثة واستبعده، ولكن طريق الجمع يكتفي فيها بأدنى مناسبة، وليس بأبعد من دعوى تعدد القصة، لأنه يلزم منه كون ذي اليدين في كل مرة استفهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، واستفهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصحابة عن صحة قوله. وأما الثاني فلعل الراوي لما رآه تقدم من مكانه إلى جهة الخشبة ظن أنه دخل منزله، لكون الخشبة كانت في جهة منزله، فإن كان كذلك وإلا فرواية أبي هريرة أرجح لموافقة ابن عمر له على سياقه، كما أخرجه الشافعي وأبو داود وابن ماجة وابن خزيمة، ولموافقة ذي اليدين، كما أخرجه أبو بكر الأثرم وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند، وأبو بكر بن أبي خيثمة وغيرهم انتهى. قوله: لم أنس ولم تقصر هو تصريح بنفي النسيان ونفي القصر، وهو مفسر لما عند مسلم بلفظ: كل ذلك لم يكن وتأييد لما قاله علماء المعاني أن لفظ كل إذا تقدم، وعقبه نفي كان نفيا لكل فرد لا للمجموع، بخلاف ما إذا تأخر، ولهذا أجاب ذو اليدين بقوله: قد كان بعض ذلك كما في صحيح مسلم. وفي البخاري ومسلم أنه قال: بلى قد نسيت كما ذكر المصنف. (وفيه دليل) على جواز دخول السهو عليه صلى الله عليه وآله وسلم في الأحكام الشرعية وقد نقل عياض والنووي الاجماع على عدم جواز دخول السهو في الأقوال التبليغية، وخصا الخلاف بالافعال وقد تعقبا، قال الحافظ:
نعم اتفق من جوز ذلك، على أنه لا يقر عليه بل يقع له بيان ذلك، إما متصلا بالفعل أو بعده، كما وقع في هذا الحديث. وفائدة جواز السهو في مثل ذلك بيان الحكم الشرعي إذا وقع مثله لغيره. وأما من منع السهو مطلقا منه (ص) فأجابوا عن هذا الحديث بأجوبة: منها أن قوله (ص): لم أنس على ظاهره وحقيقته، وأنه كان متعمدا لذلك ليقع منه التشريع بالفعل لكونه أبلغ من القول، ويكفي في رد هذا تقريره