فالأحاديث المتقدمة مثبتة وهي مقدمة على النفي ولا سيما مع إجماع العلماء على أن إسلام أبي هريرة كان سنة سبع من الهجرة، وهو يقول في حديثه الآتي: سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في: * (إذا السماء انشقت) * (الانشقاق: 1). و * (اقرأ باسم ربك) * (العلق: 1). وأما الاحتجاج على عدم مشروعية السجود في المفصل بحديث زيد بن ثابت الآتي فسيأتي الجواب عنه. قوله: وفي الحج سجدتان فيه حجة لمن أثبت في سورة الحج سجدتين ويؤيد ذلك حديث عقبة بن عامر عند أحمد وأبي داود والترمذي وقال: إسناده ليس بالقوي، والدارقطني والبيهقي والحاكم بلفظ: قلت يا رسول الله فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين؟ قال: نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما وفي إسناده ابن لهيعة ومشرح بن عاهان وهما ضعيفان. وقد ذكر الحاكم أنه تفرد به، وأكده بأن الرواية صحت فيه من قول عمر وابنه وابن مسعود وابن عباس وأبي الدرداء وأبي موسى وعمار، ثم ساقها موقوفة عنهم، وأكده البيهقي بما رواه في المعرفة من طريق خالد بن معدان مرسلا. (وحديث الباب) يدل على مشروعية سجود التلاوة. قال النووي في شرح مسلم: قد أجمع العلماء على إثبات سجود التلاوة، وهو عند الجمهور سنة، وعند أبي حنيفة واجب ليس بفرض، وسيأتي ذكر ما احتج به الجمهور وما احتج به أبو حنيفة.
وعن ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ * (والنجم) * (النجم: 1) فسجد فيها، وسجد من كان معه، غير أن شيخا من قريش أخذ كفا من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته وقال: يكفيني هذا، قال عبد الله: فلقد رأيته بعد قتل كافرا متفق عليه.
قوله: غير أن شيخا من قريش صرح البخاري في التفسير من صحيحه أنه أمية بن خلف. ووقع في سيرة ابن إسحاق أنه الوليد بن المغيرة، قال الحافظ: وفيه نظر لأنه لم يقتل. وفي تفسير سنيد الوليد بن المغيرة أو عقبة بن ربيعة بالشك وفيه نظر، لما أخرجه الطبراني من حديث مخرمة بن نوفل قال: لما أظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الاسلام أسلم أهل مكة، حتى أن كان ليقرأ السجدة فيسجدون فلا يقدر بعضهم أن يسجد من الزحام، حتى قدم رؤساء قريش الوليد بن المغيرة وأبو جهل وغيرهما وكانوا بالطائف فرجعوا وقالوا: تدعون دين آبائكم ولكن في هذا نظر لقول أبي سفيان في حديثه الطويل الثابت في الصحيح أنه لم يرتد أحد ممن أسلم. قال في الفتح: ويمكن الجمع بأن النفي مقيد بمن ارتد سخطا لدينه لا لسبب مراعاة خاطر رؤسائه. وروى