للوجوب، فالظاهر ما ذهب إليه الحسن البصري وداود الظاهري والجويني من أن الخطبة مندوبة فقط، وأما الاستدلال للوجوب بحديث أبي هريرة المذكور وفي أول الباب، وبحديثه أيضا عند البيهقي في دلائل النبوة مرفوعا حكاية عن الله تعالى بلفظ: وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي فوهم لأن غاية الأول عدم قبول الخطبة التي لأحمد فيها، وغاية الثاني عدم جواز خطبة لا شهادة فيها بأنه صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله ورسوله، والقبول والجواز وعدمهما لا ملازمة بينها وبين الوجوب قطعا.
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب قائما، ويجلس بين الخطبتين، ويقرأ آيات، ويذكر الناس رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي.
قوله: يخطب قائما فيه أن القيام حال الخطبة مشروع، وسيأتي الخلاف في حكمه.
قوله: ويجلس بين الخطبتين. فيه مشروعية الجلوس بين الخطبتين، واختلف في وجوبه، فذهب الشافعي والامام يحيى إلى وجوبه، وذهب الجمهور إلى أنه غير واجب. استدل من أوجب ذلك بفعله صلى الله عليه وآله وسلم وقوله: صلوا كما رأيتموني أصلي وقد قدمنا الجواب عن مثل هذا الاستدلال، وأنه غير صالح لاثبات الوجوب. قوله:
بين الخطبتين فيه أن المشروع خطبتان، وقد ذهب إلى وجوبهما العترة والشافعي، وحكى العراقي في شرح الترمذي عن مالك وأبي حنيفة والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وابن المنذر وأحمد بن حنبل في رواية أن الواجب خطبة واحدة قال: وإليه ذهب جمهور العلماء، ولم يستدل من قال بالوجوب إلا بمجرد الفعل مع قوله:
صلوا كما رأيتموني الحديث. وقد عرفت أن ذلك لا ينتهض لاثبات الوجوب.
قوله: ويقرأ آيات ويذكر الناس استدل به على مشروعية القراءة والوعظ في الخطبة، وقد ذهب الشافعي إلى وجوب الوعظ وقراءة آية، وإلى ذلك ذهب الامام يحيى ولكنه قال: تجب قراءة سورة، وذهب الجمهور إلى عدم الوجوب وهو الحق.
وعنه أيضا رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه كان لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هي كلمات يسيرات رواه أبو داود.
الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وهو من رواية شيبان بن عبد الرحمن