صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة، وساق الحديث. قال المنذري: في إسناده هلال بن ميمون الجهني الرملي كنيته أبو المغيرة، قال يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو حاتم الرازي: ليس بقوي يكتب حديثه، وقد وثقه أيضا غير ابن معين كما قال ابن رسلان.
قوله: فإذا صلاها في فلاة هو أعم من أن يصليها منفردا أو في جماعة. قال ابن رسلان: لكن حمله على الجماعة أولى وهو الذي يظهر من السياق انتهى. والأولى حمله على الانفراد لان مرجع الضمير في حديث الباب من قوله: صلاها إلى مطلق الصلاة لا إلى المقيد بكونها في جماعة. ويدل على ذلك الرواية التي ذكرها أبو داود عن عبد الواحد ابن زياد، لأنه جعل فيها صلاة الرجل في الفلاة مقابلة لصلاته في الجماعة، والمراد بالفلاة الأرض المتسعة التي لا ماء فيها، والجمع في مثل حصاة وحصى. (والحديث) يدل على أفضلية الصلاة في الفلاة مع تمام الركوع والسجود، وأنها تعدل خمسين صلاة في جماعة كما في رواية عبد الواحد، وعلى هذا الصلاة في الفلاة تعدل ألف صلاة ومائتين وخمسين صلاة في غير جماعة، وهذا إن كانت صلاة الجماعة تتضاعف إلى خمسة وعشرين ضعفا فقط، فإن كانت تتضاعف إلى سبعة وعشرين كما تقدم فالصلاة في الفلاة تعدل ألفا وثلاثمائة وخمسين صلاة، وهذا على فرض أن المصلي في الفلاة صلى منفردا، فإن صلى في جماعة تضاعف العدد المذكور بحسب تضاعف صلاة الجماعة على الانفراد، وفضل الله واسع. (والحكمة) في اختصاص صلاة الفلاة بهذه المزية أن المصلي فيها يكون في الغالب مسافرا، والسفر مظنة المشقة، فإذا صلاها المسافر مع حصول المشقة تضاعفت إلى ذلك المقدار. وأيضا الفلاة في الغالب من مواطن الخوف والفزع لما جبلت عليه الطباع البشرية من التوحش عند مفارقة النوع الانساني، فالاقبال مع ذلك على الصلاة أمر لا يناله إلا من بلغ في التقوى إلى حد يقصر عنه كثير من أهل الاقبال والقبول. وأيضا في مثل هذا الموطن تنقطع الوساوس التي تقود إلى الرياء، فإيقاع الصلاة فيها شأن أهل الاخلاص. ومن ههنا كانت صلاة الرجل في البيت المظلم الذي لا يراه فيه أحد إلا الله عز وجل أفضل الصلوات على الاطلاق، وليس ذلك إلا لانقطاع حبائل الرياء الشيطانية التي يقتنص بها كثيرا من المتعبدين، فكيف لا تكون صلاة الفلاة مع انقطاع تلك الحبائل وانضمام ما سلف إلى ذلك بهذه المنزلة؟ (والحديث) أيضا من حجج القائلين بأن الجماعة غير واجبة، وقد قدمنا الكلام على ذلك.