ومن صلى نائما قال الخطابي في معالم السنن: لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في صلاة التطوع نائما كما رخصوا فيها قاعدا، فإن صحت هذه اللفظة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم تكن من بعض الرواة مدرجة في الحديث قياسا على صلاة القاعد، أو اعتبارا بصلاة المريض نائما إذا لم يقدر على القعود، دلت على جواز تطوع القادر على القعود مضطجعا، قال: ولا أعلم أني سمعت نائما إلا في هذا الحديث. وقال ابن بطال: وأما قوله: من صلى نائما فله نصف أجر القاعد فلا يصح معناه عند العلماء، لأنهم مجمعون أن النافلة لا يصليها القادر على القيام إيماء، قال: وإنما دخل الوهم على ناقل الحديث، وتعقب ذلك العراقي فقال: أما نفي الخطابي وابن بطال للخلاف في صحة التطوع مضطجعا للقادر فمردود، فإن في مذهب الشافعية وجهين الأصح منهما الصحة. وعند المالكية ثلاثة أوجه حكاها القاضي عياض في الاكمال: أحدها الجواز مطلقا في الاضطرار والاختيار للصحيح والمريض. وقد روى الترمذي بإسناده عن الحسن البصري جوازه، فكيف يدعي مع هذا الخلاف القديم. والحديث الاتفاق؟ انتهى. وقد اختلف شراح الحديث في الحديث هل هو محمول على التطوع أو على الفرض في حق غير القادر؟ فحمله الخطابي على الثاني وهو محمل ضعيف، لأن المريض المفترض الذي أتى بما يجب عليه من القعود والاضطجاع يكتب له جميع الاجر لا نصفه. قال ابن بطال: لا خلاف بين العلماء أنه لا يقال لمن لا يقدر على الشئ لك نصف أجر القادر عليه، بل الآثار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن من منعه الله وحبسه عن عمله بمرض أو غيره يكتب له أجر عمله وهو صحيح اه. وحمله سفيان الثوري وابن الماجشون على التطوع، وحكاه النووي عن الجمهور وقال: إنه يتعين حمل الحديث عليه، وحكى الترمذي عن سفيان الثوري أنه قال: إن تنصيف الاجر إنما هو للصحيح، فأما من كان له عذر من مرض أو غيره فصلى جالسا فإنه مثل أجر القائم.
وعن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي ليلا طويلا قائما، وليلا طويلا قاعدا، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعدا ركع وسجد وهو قاعد رواه الجماعة إلا البخاري. وعن عائشة أيضا: أنها لم تر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي صلاة الليل قاعدا قط حتى أسن، وكان يقرأ قاعدا،