قيل: والحكمة في ذلك الاشتغال عن العبث، وقيل: إنه أربط للجأش. وفيه أيضا مشروعية اشتمال الخطبة على الحمد لله والوعظ، وقد تقدم الخلاف في الوعظ. وأما الحمد لله فذهب الجمهور إلى أنه واجب في الخطبة. وكذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وحكي في البحر عن الامام يحيى إنه لا بد في الخطبتين من الحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله إجماعا.
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة رواه أحمد ومسلم. والمئنة العلامة والمظنة. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قصدا وخطبته قصدا رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود. وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطيل الصلاة ويقصر الخطبة رواه النسائي.
حديث ابن أبي أوفى قال العراقي في شرح الترمذي: إسناده صحيح. وفي الباب عن عبد الله بن مسعود عند البزار: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن قصر الخطبة وطول الصلاة مئنة من فقه الرجل، فطولوا الصلاة واقصروا الخطب، وإن من البيان لسحرا، وأنه سيأتي بعدكم قوم يطيلون الخطب ويقصرون الصلاة وقد رواه الطبراني في الكبير موقوفا على عبد الله. قال العراقي: وهو أولى بالصواب لاتفاق سفيان وزائدة على ذلك وانفراد قيس برفعه. وعن أبي أمامة عند الطبراني في الكبير:
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا بعث أميرا قال: اقصر الخطبة، وأقلل الكلام، فإن من الكلام سحرا. وفي إسناده جميع بالفتح ويقال بالضم مصغرا ابن ثوب بضم المثلثة وفتح الواو بعدها، قال البخاري والدارقطني: إن منكر الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث. قوله: مئنة قال النووي بفتح الميم ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة أي علامة، قال: وقال الأزهري والأكثرون: الميم فيها زائدة وهي مفعلة. قال الهروي قال الأزهري: غلط أبو عبيد في جعل الميم أصلية، ورده الخطابي وقال: إنما هي فعيلة. وقال القاضي عياض: قال شيخنا ابن سراج: هي أصلية انتهى. وإنما كان إقصار الخطبة علامة من فقه الرجل، لأن الفقيه والمطلع على جوامع الألفاظ،