ما منعكما أن تصليا معنا؟ فقالا: قد صلينا في رحالنا، فقال: إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة. وكانت تلك الصلاة صلاة الصبح كما سيأتي يصلح لأن يكون من جملة المخصصات لعموم الأحاديث القاضية بالكراهة، وكذلك ركعتا الطواف، وسيأتي تحقيق هذا في باب الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، وباب الرخصة في إعادة الجماعة وركعتي الطواف. وبهذا التقرير يعلم أن فعل تحية المسجد في الأوقات المكروهة وتركها لا يخلو عند القائل بوجوبها من إشكال، والمقام عندي من المضايق، والأولى للمتورع ترك دخول المساجد في أوقات الكراهة. قوله في حديث الباب: فلا يجلس قال الحافظ: صرح جماعة بأنه إذا خالف وجلس لا يشرع له التدارك، قال: وفيه نظر لما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي ذر أنه دخل المسجد فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أركعت ركعتين؟ قال: لا، قال: قم فاركعهما. ومثله قصة سليك المتقدم ذكرها، وسيأتي ذكرها في أبواب الجمعة. وقال الطبري: يحتمل أن يقال: وقتهما قبل الجلوس وقت فضيلة، وبعده وقت جواز، أو يقال: وقتهما قبله أداء وبعده قضاء. قال الحافظ:
ويحتمل أن تحمل مشروعيتهما بعد الجلوس على ما إذا لم يطل الفصل، وظاهر التعليق بالجلوس أنه ينتفي النهي بانتفائه، فلا يلزم التحية من دخل المسجد ولم يجلس، ذكر معنى ذلك ابن دقيق العيد وتعقب بأن الجلوس نفسه ليس هو المقصود بالتعليق عليه، بل المقصود الحصول في بقعته، واستدل على ذلك بما عند أبي داود بلفظ: ثم ليقعد بعد إن شاء أو ليذهب لحاجته إن شاء. والظاهر ما ذكره ابن دقيق العيد. قوله: حتى يصلي ركعتين قال الحافظ في الفتح: هذا العدد لا مفهوم لأكثره باتفاق، واختلف في أقله والصحيح اعتباره، فلا تتأدى هذه السنة بأقل من ركعتين انتهى. وظاهر الحديث أن التحية مشروعة وإن تكرر الدخول إلى المسجد، ولا وجه لما قاله البعض من عدم التكرر قياسا على المترددين إلى مكة في سقوط الاحرام عليهم. (فائدة) ذكر ابن القيم أن تحية المسجد الحرام الطواف لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدأ فيه بالطواف، وتعقب بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يجلس، إذ التحية إنما تشرع لمن جلس كما تقدم، والداخل إلى المسجد الحرام يبدأ بالطواف ثم يصلي صلاة المقام، فلا يجلس إلا وقد صلى، فأما لو دخل المسجد الحرام وأراد القعود قبل الطواف فإنه يشرع له أن يصلي التحية. ومن جملة ما استثني من عموم التحية دخول المسجد لصلاة العيد، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يصل قبلها ولا بعدها، وتعقب بأنه صلى الله عليه