العظيمة والحرمة الجسيمة لكل من رآه مع كثرة تواضعه. قوله: ثم أتيتما مسجد جماعة لفظ أبي داود: إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الامام ولم يصل فليصل معه ولفظ ابن حبان: إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتما الصلاة فصليا. قوله: فإنها لكما نافلة فيه تصريح بأن الثانية في الصلاة المعادة نافلة، وظاهره عدم الفرق بين أن تكون الأولى جماعة أو فرادى، لأن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.
قال ابن عبد البر: قال جمهور الفقهاء: إنما يعيد الصلاة مع الامام في جماعة من صلى وحده في بيته أو في غير بيته، وأما من صلى في جماعة، وإن قلت: فلا يعيد في أخرى، قلت: أو كثرت، ولو أعاد في جماعة أخرى لأعاد في ثالثة ورابعة إلى ما لا نهاية له، وهذا لا يخفى فساده، قال: وممن قال بهذا القول مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم. ومن حجتهم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تصلي صلاة في يوم مرتين انتهى. وذهب الأوزاعي والهادي وبعض أصحاب الشافعي وهو قول الشافعي القديم إلى أن الفريضة هي الثانية إذا كانت الأولى فرادى، واستدلوا بما أخرجه أبو داود عن يزيد بن عامر قال: جئت والنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة فجلست ولم أدخل معهم في الصلاة فانصرف علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرآه جالسا فقال: ألم تسلم يا يزيد؟ قال: بلى يا رسول الله قد أسلمت، قال: فما منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم؟ قال: إني كنت قد صليت في منزلي وأنا أحسب أن قد صليتم، فقال: إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم، وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة ولكنه قد ضعفه النووي، وقال البيهقي: إن حديث يزيد بن الأسود أثبت منه وأولى. ورواه الدارقطني بلفظ: وليجعل التي صلى في بيته نافلة وقال: هي رواية ضعيفة شاذة انتهى. وعلى فرض صلاحية حديث يزيد بن عامر للاحتجاج به، فالجمع بينه وبين حديث الباب ممكن بحمل حديث الباب على من صلى الصلاة الأولى في جماعة، وحمل هذا على من صلى منفردا كما هو الظاهر من سياق الحديثين، ويكونان مخصصين لحديث ابن عمر عند أبي داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان بلفظ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا تصلوا صلاة في يوم مرتين على فرض شموله لإعادة الفريضة، من غير فرق بين أن تكون الإعادة بنية الافتراض أو التطوع. وأما إذا كان النهي مختصا بإعادة الفريضة بنية الافتراض فقط، فلا يحتاج إلى الجمع بينه وبين حديث الباب. ومن جملة المخصصات لحديث ابن