حجة لمن قال: يقدم في الإمامة الأقرأ على الأفقه، وإليه ذهب الأحنف بن قيس وابن سيرين والثوري وأبو حنيفة وأحمد وبعض أصحابهما. وقال الشافعي ومالك وأصحابهما والهادوية: الأفقه مقدم على الأقرأ. قال النووي: لأن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط، والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، وقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصواب فيه إلا كامل الفقه، وأجابوا عن الحديث بأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه.
قال الشافعي: المخاطب بذلك الذين كانوا في عصره كان أقرؤهم أفقههم، فإنهم كانوا يسلمون كبارا ويتفقهون قبل أن يقرؤوا، فلا يوجد قارئ منهم إلا وهو فقيه، وقد يوجد الفقيه وهو ليس بقارئ لكن قال النووي وابن سيد الناس: أن قوله في الحديث: فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة دليل على تقديم الأقرأ مطلقا، وبه يندفع هذا الجواب عن ظاهر الحديث، لأن التفقه في أمور الصلاة لا يكون إلا من السنة، وقد جعل القارئ مقدما على العالم بالسنة، وأما ما قيل من أن الأكثر حفظا للقرآن من الصحابة أكثر فقها فهو وإن صح باعتبار مطلق الفقه لا يصح باعتبار الفقه في أحكام الصلاة، لأنها بأسرها مأخوذة من السنة قولا وفعلا وتقريرا، وليس في القرآن إلا الامر بها على جهة الاجمال، وهو مما يستوي في معرفته القارئ للقرآن وغيره. وقد اختلف في المراد من قوله: يؤم القوم أقرؤهم فقيل: المراد أحسنهم قراءة وإن كان أقلهم حفظا. وقيل:
أكثرهم حفظا للقرآن، ويدل على ذلك ما رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح عن عمرو بن سلمة قال: انطلقت مع أبي إلى النبي (ص) بإسلام قومه، فكان فيما أوصانا: ليؤمكم أكثركم قرآنا فكنت أكثرهم قرآنا فقدموني. وأخرجه أيضا البخاري وأبو داود والنسائي، وسيأتي في باب ما جاء في إمامة الصبي. قوله: فإن كانوا في القراءة سواء أي استووا في القدر المعتبر منها، إما في حسنها أو في كثرتها وقلتها على القولين، ولفظ مسلم: فإن كانت القراءة واحدة. قوله: فأعلمهم بالسنة فيه أن مزية العلم مقدمة على غيرها من المزايا الدينية. قوله: فأقدمهم هجرة الهجرة المقدم بها في الإمامة لا تختص بالهجرة في عصره (ص)، بل هي التي لا تنقطع إلى يوم القيامة، كما وردت بذلك الأحاديث وقال به الجمهور. وأما حديث: لا هجرة بعد الفتح فالمراد به الهجرة من مكة إلى المدينة، أو لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضل