بها، فقيل: إنها ما يتبادر إلى الذهن من العرف فيها، قال في الفتح: وفيه نظر، إذ لو كان ذلك المراد لاختلف الامر في اليوم الشاتي والصائف، لأن النهار ينتهي في القصر إلى عشر ساعات، وفي الطول إلى أربع عشرة ساعة، وهذا الاشكال للقفال، وأجاب عنه القاضي حسين من أصحاب الشافعي بأن المراد بالساعات ما لا يختلف عدده بالطول والقصر، فالنهار ثنتا عشرة ساعة لكن يزيد كل منها وينقص، والليل كذلك، وهذه تسمى الساعات الآفاقية عند أهل الميقات، وتلك التعديلية. وقد روى أبو داود والنسائي وصححه الحاكم من حديث جابر مرفوعا: يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة قال الحافظ: وهذا وإن لم يرد في حديث التبكير فيستأنس به في المراد بالساعات. وقيل: المراد بالساعات بيان مراتب التبكير من أول النهار إلى الزوال، وأنها تنقسم إلى خمس، وتجاسر الغزالي فقسمها برأيه فقال: الأولى من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والثانية إلى ارتفاعها، والثالثة إلى انبساطها، والرابعة إلى أن ترمض الاقدام، والخامسة إلى الزوال. واعترضه ابن دقيق العيد بأن الرد إلى الساعات المعروفة أولى، وإلا لم يكن لتخصيص هذا العدد بالذكر معنى، لأن المراتب متفاوتة جدا. وقيل: المراد بالساعات خمس لحظات لطيفة، أو لها زوال الشمس، وآخرها قعود الخطيب على المنبر، روي ذلك عن المالكية. واستدلوا على ذلك بأن الساعة تطلق على جزء من الزمان غير محدود، وقالوا: الرواح لا يكون إلا من بعد الزوال، وقد أنكر الأزهري على من زعم أن الرواح لا يكون إلا من بعد الزوال، ونقل أن العرب تقول: راح في جميع الأوقات بمعنى ذهب، قال: وهي لغة أهل الحجاز، ونقل أبو عبيد في الغريبين نحوه. وفيه رد على الزين بن المنير حيث أطلق أن الرواح لا يستعمل في المضي في أول النهار بوجه، وحيث قال: إن استعمال الرواح بمعنى الغدو لم يسمع ولا ثبت ما يدل عليه، وقد روي الحديث بلفظ غدا مكان راح. وبلفظ المتعجل إلى الجمعة قال الحافظ:
ومجموع الروايات يدل على أن المراد بالرواح الذهاب، وما ذكرته المالكية أقرب إلى الصواب، لأن الساعة في لسان الشارع وأهل اللغة الجزء من أجزاء الزمان كما في كتب اللغة، ويؤيد ذلك أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه ذهب إلى الجمعة قبل طلوع الشمس أو عند انبساطها، ولو كانت الساعة هي المعروفة عند أهل الفلك لما ترك الصحابة الذين هم خير القرون، وأسرع الناس إلى موجبات الأجور الذهاب إلى الجمعة في الساعة الأولى من أول النهار أو الثانية أو الثالثة، فالواجب حمل كلام الشارع على لسان قومه إلا أن يثبت