فإن الجمعة لا تحبس عن سفر رواه الشافعي في مسنده.
أما حديث ابن عباس فقال الترمذي: إنه غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ثم قال: قال يحيى بن سعيد، قال شعبة، وذكر الكلام الذي ذكره المصنف وفي إسناده الحجاج بن أرطأة، قال البيهقي: انفرد به الحجاج وهو ضعيف، وقال العراقي في شرح الترمذي: ضعفه الجمهور، ومال ابن العربي إلى تصحيح الحديث وقال: ما قاله شعبة لا يؤثر في الحديث، وقال: هو صحيح السند، صحيح المعنى، لأن الغزو أفضل من الجماعة في الجمعة وغيرها، وطاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الغزو أفضل من طاعته في صلاة الجماعة، وتعقبه العراقي فقال: هذا الكلام ليس جاريا على قواعد أهل الحديث، ولا يلزم من كون المعنى صحيحا أن يكون السند صحيحا، فإن شرط صحة الاسناد اتصاله فالمنقطع ليس من أقسام الصحيح عند عامة العلماء، وهم الذين لا يحتجون بالمرسل، فكل من لا يحتج بالمرسل لا يحتج بعنعنة المدلس، بل حكى النووي في شرح المهذب وغيره اتفاق العلماء على أنه لا يحتج بعنعنة المدلس مع احتمال الاتصال، فكيف مع تصريح شعبة وهو أمير المؤمنين في الحديث بأن الحكم لم يسمعه من مقسم، فلو ثبت الحديث لكان حجة واضحة، وإذا لم يثبت فالحجة قائمة بغيره من حيث تعارض الواجبات، وأنه يقدم أهمها، ولا شك أن الغزو أهم من صلاة الجمعة، إذ الجمعة لها خلف عند فوتها، بخلاف الغزو خصوصا إذا تعين فإنه يجب تقديمه، وأيضا فالجمعة لم تجب قبل الزوال، وإن وجب السعي إليها قبله في حق من سمع النداء، ولا يمكنه إدراكها إلا بالسعي إليها قبله، ومن هذه حاله يمكن أن يكون حكمه عند ذلك حكم ما بعد الزوال اه. وأما الأثر المروي عن عمر فذكره الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه. وروى سعيد بن منصور أن أبا عبيدة سافر يوم الجمعة ولم ينتظر الصلاة. وأخرج أبو داود في المراسيل وابن أبي شيبة عن الزهري أنه أراد أن يسافر يوم الجمعة ضحوة فقيل له في ذلك فقال:
إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سافر يوم الجمعة. وفي مقابل ذلك ما أخرجه الدارقطني في الافراد عن ابن عمر مرفوعا بلفظ: من سافر يوم الجمعة دعت عليه الملائكة أن لا يصحب في سفره وفي إسناده ابن لهيعة وهو مختلف فيه، وما أخرجه الخطيب في كتاب أسماء الرواة عن مالك من رواية الحسين بن علوان عنه عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من سافر يوم الجمعة دعا عليه ملكاه أن لا يصاحب في سفره ولا تقضى له حاجة ثم قال الخطيب: الحسين بن علوان غيره