يؤيد ذلك ما رواه الشيخان عن عمرو بن دينار أنه قال: يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر، وعجل العصر، وأخر المغرب، وعجل العشاء، قال: وأنا أظنه، وأبو الشعثاء هو راوي الحديث عن ابن عباس كما تقدم. ومن المؤيدات للحمل على الجمع الصوري ما أخرجه مالك في الموطأ والبخاري وأبو داود والنسائي عن ابن مسعود قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين، جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها. فنفى ابن مسعود مطلق الجمع وحصره في جمع المزدلفة، مع أنه ممن روى حديث الجمع بالمدينة كما تقدم، وهو يدل على أن الجمع الواقع بالمدينة صوري، ولو كان جمعا حقيقيا لتعارض روايتاه، والجمع ما أمكن المصير إليه هو الواجب. ومن المؤيدات للحمل على الجمع الصوري أيضا ما أخرجه ابن جرير عن ابن عمر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان يؤخر الظهر ويعجل العصر فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء فيجمع بينهما وهذا هو الجمع الصوري، وابن عمر هو ممن روى جمعه (ص) بالمدينة، كما أخرج ذلك عبد الرزاق عنه. وهذه الروايات معينة لما هو المراد بلفظ جمع لما تقرر في الأصول من أن لفظ جمع بين الظهر والعصر لا يعم وقتها كما في مختصر المنتهى وشروحه، والغاية وشرحها، وسائر كتب الأصول بل مدلوله لغة الهيئة الاجتماعية، وهي موجودة في جمع التقديم والتأخير والجمع الصوري، إلا أنه لا يتناول جميعها ولا اثنين منها، إذ الفعل المثبت لا يكون عاما في أقسامه، كما صرح بذلك أئمة الأصول، فلا يتعين واحد من صور الجمع المذكور إلا بدليل، وقد قام الدليل على أن الجمع المذكور في الباب هو الجمع الصوري، فوجب المصير إلى ذلك. وقد زعم بعض المتأخرين أنه لم يرد الجمع الصوري في لسان الشارع وأهل عصره وهو مردود بما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله للمستحاضة:
وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين.
ومثله في المغرب والعشاء، وبما سلف عن ابن عباس وابن عمر. وقد روي عن الخطابي أنه لا يصح حمل الجمع المذكور في الباب على الجمع الصوري، لأنه يكون أعظم ضيقا من الاتيان بكل صلاة في وقتها، لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه الخاصة فضلا عن العامة، ويجاب عنه بأن الشارع قد عرف أمته أوائل الأوقات وأواخرها، وبالغ في التعريف والبيان، حتى أنه عينها بعلامات حسية لا تكاد تلتبس على العامة فضلا عن الخاصة،