كما قال أبو حاتم، ويشهد له ما أخرجه الحاكم وصححه من حديث أنس بلفظ: كنا ننهى عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها. وقال: لا تصلوا بين الأساطين وأتموا الصفوف. وأما صلاته صلى الله عليه وآله وسلم لما دخل الكعبة بين الساريتين فهو في الصحيحين من حديث ابن عمر وقد تقدم. (والحديثان) المذكوران في الباب يدلان على كراهة الصلاة بين السواري، وظاهر حديث معاوية بن قرة عن أبيه. وحديث أنس الذي ذكره الحاكم، أن ذلك محرم، والعلة في الكراهة ما قاله أبو بكر بن العربي من أن ذلك إما لانقطاع الصف أو لأنه موضع جمع النعال. قال ابن سيد الناس:
والأول أشبه، لأن الثاني محدث، قال القرطبي: روي أن سبب كراهة ذلك أنه مصلى الجن المؤمنين. وقد ذهب إلى كراهة الصلاة بين السواري بعض أهل العلم، قال الترمذي: وقد كره قوم من أهل العلم أن يصف بين السواري، وبه قاله أحمد وإسحاق، وقد رخص قوم من أهل العلم في ذلك انتهى. وبالكراهة قال النخعي: وروى سعيد بن منصور في سننه النهي عن ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وحذيفة. قال ابن سيد الناس: ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة، ورخص فيه أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن المنذر قياسا على الامام والمنفرد، قالوا: وقد ثبت أن النبي (ص) صلى في الكعبة بين ساريتين.
قال ابن رسلان: وأجازه الحسن وابن سيرين، وكان سعيد بن جبير، وإبراهيم التيمي، وسويد بن غفلة يؤمون قومهم بين الأساطين، وهو قول الكوفيين. قال ابن العربي: ولا خلاف في جوازه عند الضيق، وأما عند السعة فهو مكروه للجماعة، فأما الواحد فلا بأس به، وقد صلى (ص) في الكعبة بين سواريها انتهى. وفيه أن حديث أنس المذكور في الباب إنما ورد في حال الضيق لقوله: فاضطرنا الناس، ويمكن أن يقال: إن الضرورة المشار إليها في الحديث لم تبلغ قدر الضرورة التي يرتفع الحرج معها. وحديث قرة ليس فيه إلا ذكر النهي عن الصف بين السواري، ولم يقل كنا ننهى عن الصلاة بين السواري، ففيه دليل على التفرقة بين الجماعة والمنفرد، ولكن حديث أنس الذي ذكره الحاكم فيه النهي عن مطلق الصلاة، فيحمل المطلق على المقيد، ويدل على ذلك صلاته صلى الله عيه وسلم بين الساريتين، فيكون النهي على هذا مختصا بصلاة المؤتمين بين السواري دون صلاة الامام والمنفرد، وهذا أحسن ما يقال. ومتقدم من قياس المؤتمين على الامام والمنفرد فاسد الاعتبار لمصادمته لأحاديث الباب.