قال: بحصى الخذف فيه استعارة القول للفعل وهو كثير في السنة، والمراد أنه وضع إحدى السبابتين على الأخرى ليريهم أنه يريد حصى الخذف، والخذف بالخاء والذال المعجمتين، ويروى بالحاء المهملة والأول أصوب. قال الجوهري في فصل الحاء المهملة:
حذفته بالعصى أي رميته بها، وفي فصل الخاء المعجمة: الخذف بالحصى الرمي به بالأصابع، وسيأتي ذكر مقدار حصا الخذف في باب استحباب الخطبة يوم النحر من كتاب الحج، لأن المصنف رحمه الله سيكرر هذه الأحاديث المذكورة في هذا الباب جميعها هنالك، وسنشرح هنالك ما لم نتعرض لشرحه ههنا من ألفاظ هذه الأحاديث.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم النحر فقال: أتدرون أي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى، قال: أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال أليس ذا الحجة؟ قلنا: بلى، قال: أي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليست البلدة؟
قلنا: بلى، قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض رواه أحمد والبخاري.
قوله: أتدرون أي يوم هذا؟ قلنا الله ورسوله أعلم في البخاري من حديث ابن عباس أنهم قالوا: يوم حرام وقالوا عند سؤاله عن الشهر: شهر حرام، وعند سؤاله عن البلد، بلد حرام. وعند البخاري أيضا من حديث ابن عمر بنحو حديث أبي بكرة، إلا أنه ليس فيه قوله: فسكت في الثلاثة المواضع. وقد جمع بين حديث ابن عباس وحديث الباب ونحوه بتعدد الواقعة، قال في الفتح: وليس بشئ، لأن الخطبة يوم النحر إنما تشرع مرة واحدة، وقد قال في كل منهما: إن ذلك كان يوم النحر، وقيل في الجمع بينهما: إن بعضهم بادر بالجواب وبعضهم سكت. وقيل في الجمع: إنهم فوضوا الامر أولا كلهم بقولهم: الله ورسوله أعلم، فلما سكت أجابه بعضهم دون بعض. وقيل: وقع السؤال في الوقت الواحد مرتين بلفظين، فلما كان في حديث أبي بكرة فخامة ليس في حديث ابن عباس لقوله فيه: أتدرون؟ سكتوا عن الجواب، بخلاف حديث ابن عباس لخلوه عن