أن الخطبة شأنها البسط والايضاح واجتناب الإشارات والرموز، قال: ولهذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا لتفهم عنه، قال:
وإنما ثني الضمير في قوله: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما لأنه ليس خطبة وعظ، وإنما هو تعليم حكم، فكل ما قل لفظه كان أقرب إلى حفظه، بخلاف خطبة الوعظ فإنه ليس المراد حفظها، وإنما يراد الاتعاظ بها، ولكنه يرد عليه أنه قد وقع الجمع بين الضميرين منه صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الباب، وهو وارد في الخطبة لا في تعليم الاحكام. وقال القاضي عياض وجماعة من العلماء: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أنكر على الخطيب تشريكه في الضمير المقتضي للتسوية، وأمره بالعطف تعظيما لله تعالى بتقديم اسمه كما قال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الآخر: لا يقل أحدكم ما شاء الله وشاء فلان ولكن ليقل ما شاء الله ثم ما شاء فلان. ويرد على هذا ما قد من جمعه صلى الله عليه وآله وسلم بين ضمير الله وضميره، ويمكن أن يقال:
إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أنكر على ذلك الخطيب التشريك لأنه فهم منه اعتقاد التسوية، فنبهه على خلاف معتقده، وأمره بتقديم اسم الله تعالى على اسم رسوله، ليعلم بذلك فساد ما اعتقده. قوله: فقد غوى بفتح الواو وكسرها والصواب الفتح كما في شرح مسلم، وهو من الغي وهو الانهماك في الشر. (وقد اختلف) أهل العلم في حكم خطبة الجمعة، فذهبت العترة والشافعي وأبو حنيفة ومالك إلى الوجوب، ونسبه القاضي عياض إلى عامة العلماء، واستدلوا على الوجوب بما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم بالأحاديث الصحيحة ثبوتا مستمرا أنه كان يخطب في كل جمعة، وقد عرفت غير مرة أن مجرد الفعل لا يفيد الوجوب، واستدلوا أيضا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: صلوا كما رأيتموني أصلي وهو مع كونه غير صالح للاستدلال به على الوجوب لما قدمنا في أبواب صفة الصلاة، ليس فيه إلا الامر بإيقاع الصلاة، على الصفة التي كان يوقعها عليها، والخطبة ليست بصلاة، واستدلوا أيضا بقوله تعالى: * (فاسعوا إلى ذكر الله) * (ق: 1) وفعله للخطبة بيان للمجمل، وبيان المجمل الواجب واجب، ورد بأن الواجب بالامر هو السعي فقط، وتعقب بأن السعي ليس مأمورا به لذاته بل لمتعلقه وهو الذكر، ويتعقب هذا التعقب بأن الذكر المأمور بالسعي إليه هو الصلاة غاية الأمر أنه متردد بينها وبين الخطبة، وقد وقع الاتفاق على وجوب الصلاة والنزاع في وجوب الخطبة، فلا ينتهض هذا الدليل