فاقبلوا صدقته قال: ولا تناقض بين حديثيه، فإن النبي (ص) لما أجابه بأن هذا صدقة الله عليكم ودينه اليسر السمح علم عمر أنه ليس المراد من الآية قصر العدد كما فهمه كثير من الناس، قال: صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر، وعلى هذا فلا دلالة في الآية على أن قصر العدد مباح منفي عنه الجناح، فإن شاء المصلي فعله، وإن شاء أتمه، وقد كان رسول الله (ص) يواظب في أسفاره على ركعتين ركعتين، فلم يربع قط إلا شيئا فعله في بعض صلاة الخوف. وحديث ابن عمد الثاني أخرجه أيضا ابن حبان وابن خزيمة في صحيحيهما. وفي رواية: كما يحب أن تؤتى عزائمه. (وفي الباب) عن أبي هريرة عند ابن عدي. وعن عائشة عنده أيضا والمراد بالرخصة التسهيل والتوسعة في ترك بعض الواجبات أو إباحة بعض المحرمات، وهي في لسان أهل الأصول الحكم الثابت، على خلاف دليل الوجوب أو الحرمة لعذر، وفيه أن الله يحب إتيان ما شرعه من الرخص، وفي تشبيه تلك المحبة بكراهته لاتيان المعصية دليل على أن في ترك إتيان الرخصة ترك طاعة كالترك للطاعة الحاصل بإتيان المعصية. وحديث ابن عمر الأول من أدلة القائلين بأن القصر واجب لقوله: فكان فيما علمنا أن الله عز وجل أمرنا أن نصلي ركعتين في السفر وقد تقدم الكلام على ذلك.
باب الرد على من قال إذا خرج نهارا لم يقصر إلى الليل عن أنس قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر بالمدينة أربعا، وصليت معه العصر بذي الحليفة ركعتين متفق عليه. وعن شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائي قال: سألت أنسا عن قصر الصلاة فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين شعبة الشاك. رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
قوله: وصليت معه العصر بذي الحليفة هكذا في رواية للبخاري ذكرها الكشميهني، وهي ثابتة عند مسلم، وعند البخاري أيضا في كتاب الحج. وقد استدل بذلك على إباحة القصر في السفر القصير، لأن بين المدينة وذي الحليفة ستة أميال، وتعقب بأن ذا الحليفة لم تكن منتهى السفر، وإنما خرج إليها حيث كان قاصدا إلى مكة واتفق نزوله بها، وكانت أول صلاة