رياء وسمعة، فإذا خلا في بيته كان كما وصفه الله تعالى من الكفر والاستهزاء. قال الطيبي:
خروج المؤمن من هذا الوعيد ليس من جهة أنهم إذ سمعوا النداء جاز لهم التخلف عن الجماعة، بل من جهة أن التخلف ليس من شأنهم، بل هو من صفات المنافقين، ويدل على ذلك قول ابن مسعود الآتي: لقد رأيتنا وما يتخلف عن الجماعة إلا منافق. وأخرج ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور بإسناد صحيح عن عمير بن أنس قال: حدثني عمومتي من الأنصار قالوا: قال رسول الله (ص): ما يشهدهما منافق يعني العشاء والفجر.
الثامن: أن فريضة الجماعة كانت في أول الأمر ثم نسخت، حكى ذلك القاضي عياض.
قال الحافظ: ويمكن أن يتقوى لثبوت النسخ بالوعيد المذكور في حقهم وهو التحريق بالنار.
قال: ويدل على النسخ الأحاديث الواردة في تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ كما سيأتي، لأن الأفضلية تقتضي الاشتراك في أصل الفضل، ومن لازم ذلك الجواز.
التاسع: أن المراد بالصلاة الجمعة لا باقي الصلوات، وتعقب بأن الأحاديث مصرحة بالعشاء والفجر كما في حديث الباب وغيره، ولا ينافي ذلك ما وقع عند مسلم من حديث ابن مسعود أنها الجمعة لاحتمال تعدد الواقعة، كما أشار إليه النووي والمحب الطبري.
(وللحديث) فوائد ليس هذا محل بسطها، وسيأتي التصريح بما هو الحق في صلاة الجماعة.
وعن أبي هريرة: أن رجلا أعمى قال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له، فلما ولى دعاه فقال: هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب رواه مسلم والنسائي. وعن عمرو بن أم مكتوم قال قلت: يا رسول الله أنا ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يلاؤمني فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: ما أجد لك رخصة رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة.
الحديث الثاني أخرجه أيضا ابن حبان والطبراني، زاد ابن حبان وأحمد في رواية:
فأتها ولو حبوا. قوله: أن رجلا أعمى هو ابن أم مكتوم كما في الحديث الثاني.
قوله: ليس لي قائد. في الحديث الآخر: ولي قائد لا يلاؤمني ظاهره التنافي، إذا كان الأعمى المذكور في حديث أبي هريرة هو ابن أم مكتوم ويجمع بينهما إما بتعداد الواقعة أو بأن المراد بالمنفي في الرواية الأولى القائد الملائم، وبالمثبت في الثانية القائد الذي ليس بملائم. قوله: فرخص له إلى قوله: قال فأجب قيل: إن الترخيص