عين، لكن بشروط يشترطها أهل كل مذهب. قال ابن العربي: وحكى ابن وهب عن مالك أن شهودها سنة، ثم قال: قلنا له تأويلان: أحدهما أن مالكا يطلق السنة على الفرض.
الثاني: أنه أراد سنة على صفتها لا يشاركها فيه سائر الصلوات حسب ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفعله المسلمون. وقد روى ابن وهب عن مالك عزيمة الجمعة على كل من سمع النداء انتهى. (ومن جملة الأدلة) الدالة على أن الجمعة من فرائض الأعيان قول الله تعالى: * (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا) * (الجمعة: 9) ومنها حديث طارق بن شهاب الآتي في الباب الذي بعد هذا. ومنها حديث حفصة الآتي أيضا. ومنها ما أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة: أنه سمع رسول الله (ص) يقول: نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله تعالى عليهم واختلفوا فيه فهدانا الله تعالى له فالناس لنا تبع فيه الحديث. وقد استنبط منه البخاري فرضية صلاة الجمعة، وبوب عليه باب فرض الجمعة، وصرح النووي والحافظ بأنه يدل على الفرضية قالا: لقوله فرض الله تعالى عليهم فهدانا له، فإن التقدير فرض عليهم وعلينا، فضلوا وهدينا، وقد وقع مسلم في رواية سفيان عن أبي الزناد بلفظ: كتب علينا وقد أجاب عن هذه الأدلة من لم يقل بأنها فرض عين بأجوبة. أما عن حديث أبي هريرة الذي ذكره المصنف فيما تقدم في الجماعة. وأما عن سائر الأحاديث المشتملة على الوعيد فبصرفها إلى من ترك الجمعة تهاونا حملا للمطلق على المقيد، ولا نزاع في أن التارك لها تهاونا مستحق للوعيد المذكور، وإنما النزاع فيمن تركها غير متهاون.
وأما عن الآية فبما يقضي به آخرها أعني قوله: * (ذلكم خير لكم) * (الجمعة: 9) من عدم فرضية العين. وأما عن حديث طارق فبما قيل فيه من الارسال وسيأتي. وأما عن حديث أبي هريرة الآخر فبمنع استلزام افتراض يوم الجمعة على من قبلنا افتراضه علينا، وأيضا ليس فيه افتراض صلاة الجمعة عليهم ولا علينا. وقد ردت هذه الأجوبة بردود. (والحق) أن الجمعة من فرائض الأعيان على سامع النداء، ولو لم يكن في الباب إلا حديث طارق وأم سلمة الآتيين لكانا مما تقوم به الحجة على الخصم. والاعتذار عن حديث طارق بالارسال ستعرف اندفاعه، وكذلك الاعتذار بأن مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان صغيرا لا يتسع هو ورحبته لكل المسلمين، وما كانت تقام الجمعة في عهده صلى الله عليه وآله وسلم بأمره إلا في مسجده، وقبائل العرب كانوا مقيمين في نواحي المدينة مسلمين، ولم يؤمروا بالحضور مدفوع بأن تخلف