فمقتضى الجمع بينهما هو حمل الطائفة الأولى المانعة على الكراهة، ولا يمنع عن ذلك اطلاق السحت على ثمن عسيب الفحل في رواية الجعفريات، فإنك قد عرفت في بيع العذرة اطلاقه على الكراهة الاصطلاحية في مواضع شتى.
لا يقال: إن النبوي ورواية الجعفريات بنفسهما ظاهرتان في الكراهة المصطلحة، لاشتمالهما على ما ليس بمحرم قطعا، فإنه ذكر المنع في الجعفريات عن بيع جلود السباع وأجر القاري، مع أنهما ليسا بمحرمين جزما، وفي النبوي نهى عن لبس ثياب ينسج بالشام مع عدم ثبوت حرمته، على أن النبوي كمرسلة الصدوق ودعائم الاسلام والمنقول من طرق العامة ضعيفة السند.
فإنه يقال: إن ثبوت الترخيص في بعض الأمور المذكورة فيهما بدليل خارجي لا يوجب ثبوته في غيره، كيف وقد ثبت في الشريعة المقدسة استحباب بعض الأغسال كغسل الجمعة والعيدين وغيرهما، مع أنها ذكرت في جملة من الروايات في عداد الأغسال الواجبة، كغسل الجنابة والميت ومس الميت (1).
نعم لم تثبت من تلك الروايات المانعة إلا وثاقة رواية الجعفريات (2)، على أن النهي عن بيع عسيب الفحل في النبوي لا يوجب حرمة المعاملة وضعا بل التكسب به حرام تكليفا، والشاهد على ذلك أن في الرواية نهى عما هو حرام بذاته مثل ثمن الكلب، وما هو حرام بالعرض مثل خاتم الذهب، فإنه ليس بذاته من المحرمات بل لبسه والتختم به حرام.